انقسامات حادة تهز النظام الإيراني.. هل اقتربت ساعة السقوط؟
انقسامات حادة تهز النظام الإيراني.. هل اقتربت ساعة السقوط؟
في الشهور الأخيرة، تحولت الساحة السياسية الإيرانية إلى حلبة صراع مفتوح بين فصائل النظام نفسه، لم يعد الخلاف محصوراً في كيفية التعامل مع الملف النووي أو الحروب بالوكالة، أو حتى إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة، بل امتد إلى قلب السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، الذي بات اسمه يتردد في كواليس الصراع كرمز لانقسام أعمق يهدد تماسك «البيت العنكبوتي» الذي يديره المرشد الأعلى (السيد) علي خامنئي منذ عقود
انقسامات حادة تهز النظام الإيراني.. هل اقتربت ساعة السقوط؟
في الشهور الأخيرة، تحولت الساحة السياسية الإيرانية إلى حلبة صراع مفتوح بين فصائل النظام نفسه، لم يعد الخلاف محصوراً في كيفية التعامل مع الملف النووي أو الحروب بالوكالة، أو حتى إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة، بل امتد إلى قلب السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، الذي بات اسمه يتردد في كواليس الصراع كرمز لانقسام أعمق يهدد تماسك «البيت العنكبوتي» الذي يديره المرشد الأعلى (السيد) علي خامنئي منذ عقود.
لم يعد هناك صوت واحد داخل أي من مراكز القوى تقريباً. صحيفة «كيهان» المتشددة تطالب بـ«الإطاحة الفورية» ببزشكيان، وجبهة الصمود الثورية تفعّل مقراتها لتنظيم حملة إقالته، فيما يتمسك خامنئي بالرجل كورقة قد تساعده على امتصاص بعض الضغوط الداخلية والخارجية. جريدة «جوان» الناطقة بلسان الحرس الثوري تصف أي محاولة لإزاحة الرئيس بـ«الخيانة العظمى»، بينما يصف علي حقيقت پور، أحد المقربين السابقين من علي لاريجاني، فكرة استقالة بزشكيان بأنها «كابوس» يهدد مصلحة البلاد برمتها. هذه التناقضات ليست مجرد خلافات شخصية، بل تعكس انقسامات بنيوية باتت تهدد قدرة النظام على اتخاذ قرار موحد في أي ملف مصيري.
حتى داخل «بيت العنكبوت» نفسه، أي مكتب المرشد، لم يعد الوضع موحداً؛ ثمة ثلاثة تيارات رئيسية تتصارع على النفوذ وترسم كل منها سيناريو مختلفاً لـ«إنقاذ النظام». وفي الحرس الثوري، الذي كان يوماً رمز الوحدة الحديدية، برزت أربعة تيارات متباينة، كل منها يملك رؤيته الخاصة لكيفية مواجهة الأزمات المتلاحقة. أما في معسكر الإصلاحيين، فالصورة لا تقل تعقيداً.
محمد خاتمي، لا يزال يراهن على دعم بزشكيان، كوسيلة لإخراج النظام من مأزقه، فيما أصدرت تيارات إصلاحية أخرى بيانات حادة اللهجة تعلن فيها أن «الانتظار وراء إصلاح الآخرين لم يعد ممكناً»، وأن الوقت قد حان لمسارات مختلفة تماماً.
اللافت أن جميع هذه الفصائل، رغم التباين الحاد بينها، تتفق على نقطة واحدة: «حفظ النظام» هو الهدف الأسمى، وكل ما عداه مجرد خلاف على الوسيلة لا على الغاية. لكن هذا التوافق الشكلي لا يخفي الحقيقة المرة.
النظام لم يعد قادراً على توحيد صفوفه حتى حول أبسط القرارات. خامنئي الذي يحتاج بزشكيان كواجهة مقبولة نسبياً داخلياً وكأداة محتملة في أي مفاوضات مستقبلية مع الغرب، يجد نفسه عاجزاً عن ضبط الفصائل الموالية له داخل مكتبه وداخل الحرس الثوري، ناهيك عن السيطرة على الشارع الذي يغلي.
الضربات المتلاحقة التي تلقاها النظام خلال السنوات الأخيرة، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي أو السياسي، أفقدت قيادته الكثير من هيبتها وقدرتها على التحكم. انقسام «بيت العنكبوت» وتشرذم الحرس الثوري أضعفاً قدرات القمع بشكل ملحوظ؛ فالأجهزة الأمنية التي كانت تتحرك ككتلة واحدة أصبحت تعاني من تردد وانقسام داخلي، والإعدامات التي كانت ترهب المجتمع فقدت الكثير من تأثيرها الردعي بعد أن اعتاد الناس رؤية المشانق يومياً.
في هذا السياق، لا يبدو مستغرباً أن تتزايد التحليلات التي ترى أن المجتمع الإيراني يقترب من نقطة اللاعودة. عندما يجتمع غضب شعبي متراكم، مع قيادة منقسمة على نفسها، وأجهزة قمع مترددة ومرهقة، ووجود بديل سياسي منظم يقوده المقاومة الإيرانية، فإن اشتعال انتفاضة جديدة يصبح مسألة وقت لا أكثر. وكما أظهرت جلسات مؤتمر واشنطن في 15 نوفمبر، حيث اجتمع خبراء وساسة من مختلف التوجهات لمناقشة مستقبل إيران، فإن العالم بدأ يأخذ احتمال التغيير الجذري على محمل الجد أكثر من أي وقت مضى.
إن النظام الایراني اليوم يعيش أخطر مرحلة في تاريخه: لم يعد قادراً على توحيد فصائله، ولا على قمع شعبه بنفس الكفاءة السابقة، ولا على إقناع العالم بأنه لا يزال يملك زمام المبادرة. الشقوق التي ظهرت في جدران «بيت العنكبوت» لم تعد مجرد تشققات سطحية، بل أصبحت فجوات عميقة تهدد بانهيار البناء برمته. وفي مثل هذه الظروف، لا يبقى أمام الشعب الإيراني سوى خيار واحد إذا أراد استعادة كرامته وحريته: أن يستثمر هذا الانقسام التاريخي ويحوله إلى فرصة لإسقاط نظام لم يعد قادراً حتى على إنقاذ نفسه.