رسائل سياسية وأكاديمية من واشنطن: نحو خريطة طريق لإيران ديمقراطية
رسائل سياسية وأكاديمية من واشنطن: نحو خريطة طريق لإيران ديمقراطية
بعد أسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر حاشد ضمّ آلاف الشباب الإيرانيين في أوروبا، جاءت محطة جديدة للمعارضة المنظمة في واشنطن عبر مؤتمر «إيران حرة 2025»، الذي جمع مئات الأكاديميين والمتخصصين من أصول إيرانية، إضافة إلى شخصيات سياسية وفكرية بارزة. المؤتمر الذي عقد في 15 نوفمبر 2025 تحت عنوان «خريطة الطريق نحو جمهورية ديمقراطية في إيران»، سعى إلى رسم صورة أوضح لمستقبل إيران في مرحلة التحوّل المحتملة.
رسائل سياسية وأكاديمية من واشنطن: نحو خريطة طريق لإيران ديمقراطية
بقلم: حسن محمودي كاتب إيراني
بعد أسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر حاشد ضمّ آلاف الشباب الإيرانيين في أوروبا، جاءت محطة جديدة للمعارضة المنظمة في واشنطن عبر مؤتمر «إيران حرة 2025»، الذي جمع مئات الأكاديميين والمتخصصين من أصول إيرانية، إضافة إلى شخصيات سياسية وفكرية بارزة. المؤتمر الذي عقد في 15 نوفمبر 2025 تحت عنوان «خريطة الطريق نحو جمهورية ديمقراطية في إيران»، سعى إلى رسم صورة أوضح لمستقبل إيران في مرحلة التحوّل المحتملة.
في الكلمة الافتتاحية، أكدت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن «إسقاط نظام ولاية الفقيه ضرورة، وقد آن أوانُه». هذه العبارة اختزلت رؤية شريحة من المعارضة المنظمة التي ترى أن التطورات الداخلية في إيران، والتغيّرات الجيوسياسية في المنطقة، وانكشاف هشاشة مراكز القوة في طهران، تشكل جميعها لحظة انتقالية نادرة.
image.jpeg
من جانبه، قال مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (2018–2021)، إن «الشعب الإيراني – بفضل وجود معارضة منظمة – يستحق الحرية». ورغم أن هذا الموقف يأتي من سياق السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن تركيزه على «التنظيم» لافت في ظل التشتّت الواضح الذي يطغى عادة على مشاهد المعارضات الشرق أوسطية.
أما الدكتورة صوفي سعیدي، أستاذة العلاقات الدولية، فقدّمت مقاربة أكاديمية بحتة، مشيرة إلى أن الدراسات المقارنة حول الحركات الاحتجاجية تُظهر أن «الحركات التي تفتقر إلى القيادة والهيكلية غالباً ما تنتهي إلى الفوضى». طرحٌ يعكس تجربة المنطقة منذ العقد الماضي، ويضع سؤال «إدارة الانتقال» في قلب النقاش حول مستقبل إيران ما بعد التغيير.
واحدة من أبرز لحظات المؤتمر كانت جلسة البروفيسور محمد حسين تسوجي مع العالم الإيراني-الأمريكي مرتضى قريب، عضو أكاديمية الفنون والعلوم الأمريكية وصاحب أكثر من 170 اختراعاً. قريب شدّد على القدرات الاستثنائية للجالية العلمية الإيرانية، قائلاً إن «الإيرانيين يصنفون بين الشعوب الثلاثة الأكثر ذكاءً في العالم»، وإن «أكثر من 10٪ من مهندسي الكهرباء في الولايات المتحدة هم من أصول إيرانية». وأضاف تسوجي: «لا توجد جامعة أمريكية تقريباً إلا وفيها أستاذ إيراني».
هذه الأرقام قدمت رسالة واضحة: إيران ما بعد التغيير لا تعاني نقصاً في الكفاءات، بل تمتلك أحد أكبر المخازن العلمية في الشتات.
كما شارك في المؤتمر البروفيسور حسين صادقبور من جامعة هارفارد، وجون بيركو الرئيس الأسبق لمجلس العموم البريطاني، وباتريك كينيدي، إضافة إلى صحافيين ومحللين دوليين. وقال الصحفي الأمريكي غاي بِنْسُن عبارة لافتة: «في زمن تكثر فيه الشعارات الفارغة، تقود النساء الإيرانيات معركة الحرية والمساواة بشجاعة استثنائية».
خلاصات استراتيجية من المؤتمر
بعيداً عن المواقف السياسية للمتحدثين، حمل المؤتمر جملة من الرسائل المهمة:
أولاً:
إن تجميع الطاقات البشرية الإيرانية في الداخل والخارج – من العلماء إلى الشباب والناشطين – يعكس صورة مجتمع يمتلك عناصر «الجاهزية البنيوية» لمرحلة انتقالية. أحداث الأعوام 96 و97 و98 و1401 أظهرت حجم الاحتقان الاجتماعي واستعداد قطاعات واسعة للانخراط في تغيير سياسي.
ثانياً:
إن تلاقي شبكة داخلية من الناشطين مع شبكة خارجية من الكفاءات والخبراء، يشير إلى إمكان بناء نموذج انتقالي أكثر استقراراً مقارنة بنماذج إقليمية شهدت فراغاً سياسياً خطيراً بعد سقوط الأنظمة.
ثالثاً:
إن ضعف النظام الحالي – اقتصادياً وسياسياً وأمنياً – يجعل من لحظة «الفرصة التاريخية» أكثر واقعية مما كانت عليه في السابق. وقد اتفقت معظم المداخلات على وجود نافذة زمنية قد لا تتكرر بسهولة في تاريخ إيران الحديث.
رابعاً:
إن السؤال لم يعد: «هل يمكن التغيير؟» بل «كيف يمكن إدارة ما بعد التغيير؟»
وهنا جاءت إجابة عدد من المتحدثين واضحة:
الخبرات العلمية، والقدرات الإدارية، والشبكات السياسية والاجتماعية الإيرانية موجودة وقادرة على ملء الفراغ وضمان استمرارية الدولة ومؤسساتها.
رسالة المؤتمر: لحظة التحول قد تكون أقرب مما كان يُعتقد
تقاطعت كلمات المشاركين عند نقطة مركزية:
أن مؤشرات الانتقال في إيران أصبحت متشابكة – داخلية واقتصادية وسياسية واجتماعية – إلى درجة تجعل تجاهلها أمراً غير واقعي.
وفي ظل نظام منهك، ومجتمع حيّ، ومعارضة ذات بنية تنظيمية، ودعم دولي متنامٍ لإيجاد بديل مستقر، يخلص المؤتمر إلى أن مرحلة ما قبل التغيير قد تكون وصلت إلى ذروتها، وأن السؤال المطروح اليوم هو كيفية الاستفادة من هذه اللحظة، وليس ما إذا كانت ستأتي.