أزمة الرواتب ناتجة عن عدم إيفاء بغداد بالتزاماتها

حكومة إقليم كردستان العراق تشكو خذلان الحكومة الاتّحادية لها في أزمتها

إقليم كردستان العراق يجد نفسه بعد سنوات طويلة من الفساد المستشري في أجهزته الحكومية، أمام مأزق غير مسبوق واقعا تحت الضغط الشديد من قبل الشارع الغاضب، ومتروكا لمصيره من قبل حكومة اتّحادية لا تملك الكثير لإنقاذه، بل قد لا تكون أطراف نافذة في الحكومة ذاتها راغبة أصلا في مدّ يد المساعدة لقيادة الإقليم التي سبق لها أن خاضت صراعات ومعارك سياسية ضدّ تلك الأطراف ذاتها.

بعد الهدر والفساد يأتي الحريق عادة

أربيل

جدّد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور البارزاني مطالبته الحكومة الاتحادية العراقية بحل مشكلة الرواتب في الإقليم، وذلك في وقت تواجه فيه حكومته مأزقا غير مسبوق جرّاء حالة الغضب الشعبي المتصاعدة التي تفجّرت في مدينة السليمانية واتسع نطاقها إلى عدد من البلدات والمناطق وأسفرت المواجهات خلالها بين المحتجّين وقوات الأمن عن سقوط قتلى وجرحى.

وبينما يرى معارضون أكراد أن حالة شبه الإفلاس التي وصل إليها الإقليم ناتجة عن مسار طويل من الفساد وهدر المال العام، يلوّح مقرّبون من السلطات بأنّ هناك “مؤامرة” تنفذها أحزاب ذات نفوذ في بغداد وتقوم على تجفيف تمويل الإقليم من الميزانية الاتحادية بهدف معاقبة آل البارزاني على تحالفهم مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهو تحالف قد يكون ضارا بتلك الأحزاب نفسها في حال تواصل إلى الانتخابات المبكّرة المقرّرة في العراق صيف العام القادم.

وقال البارزاني خلال مؤتمر صحافي عقده في أربيل مركز الإقليم، إنّ على بغداد الالتزام بمسؤوليتها تجاه إقليم كردستان، مضيفا أنه كان من المقرر أن تقوم الحكومة الاتحادية بإرسال المستحقات المالية إلاّ أنها أرسلت رواتب شهرين فقط ولم ترسل رواتب الأشهر المتبقية.

وبعد أن كانت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سنة 2005 “سخية” في منح حصّة لإقليم كردستان من الميزانية الاتّحادية وصلت إلى ما نسبته 17 في المئة من أموال الميزانية، أصبحت أحزاب حاكمة في بغداد تتشدّد في صرف الأموال لحكومة الإقليم، وتطرح عدّة اشتراطات على رأسها تسليمه ثمن النفط الذي ينتجه محليا ويقوم بتسويقه دون الرجوع إلى الحكومة العراقية.

كما أصبحت تلك الأحزاب ذاتها تشككّ في سلامة تصرّف حكومة الإقليم في الأموال التي تصل إليها من بغداد وتتهمها بتضخيم عدد موظفيها للحصول على فائض من المال يستولي عليه كبار المسؤولين في الإقليم.

وأشار البارزاني إلى وجود محاولات متكررة بهدف التوصل إلى تفاهم نهائي مع الحكومة الاتحادية على أساس الشراكة، مضيفا “للأسف تم تمرير قانون تمويل العجز بدون موافقة إقليم كردستان”.

وقام البرلمان العراقي مؤخّرا بتمرير ما يعرف بقانون العجز، والذي ينصّ على السماح للحكومة الاتحادية بالاقتراض لسد العجز الفادح في الميزانية وتوفير رواتب الموظّفين. لكن القانون تضمّن ما اعتبره الأكراد بنودا موجّهة ضدّهم، ما جعل نوابهم ينسحبون من جلسة التصويت عليه.

وأمام الأزمة الخانقة والضغط الشديد من الشارع عادت حكومة إقليم كردستان لتعلن قبولها بذلك القانون وتطالب بغداد بصرف حصتّها المالية وفقا لما نصّ عليه.

وأعلنت الحكومة الكردية في وقت سابق استعدادها للالتزام ببنود قانون تمويل العجز الذي يشترط تسليم حكومة أربيل إيرادات بيع النفط للحكومة الاتحادية.

وقال وزير المالية في حكومة إقليم كردستان آوات جناب في مؤتمر صحافي بأربيل “تلقت وزارتنا كتابا من وزارة المالية الاتحادية بخصوص قانون تمويل العجز المالي، وقد أجبنا بأننا مستعدون للالتزام بالقانون”. وأضاف أن “الكرة باتت الآن في ساحة الحكومة الاتحادية بعد أن أكدنا التزامنا بكل واجباتنا”.

لكن مصادر عراقية تقول إنّه ليس لدى أربيل أية أموال لتسليمها إلى بغداد لقاء النفط الذي سوّقته في فترات سابقة من جانب واحد.

وجاءت مرونة حكومة الإقليم تزامنا مع احتجاجات عنيفة شهدتها مدن وبلدات كردية على تردي الوضع الاقتصادي وتأخر صرف رواتب الموظفين.

وبلغت الاحتجاجات درجة كبيرة من العنف عكست حالة الاحتقان في الإقليم، حيث أسفرت عن سقوط قتلى وصل عددهم إلى ستة، إضافة إلى المصابين.

وبدأت الاحتجاجات ضد حكومة الإقليم وأحزابه الرئيسية الأسبوع الماضي في بلدات بمحافظة السليمانية شمال شرق العراق. وأطلقت قوات أمنية تحرس مقار حزبية في بلدة جمجمال الرصاص على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل شاب يبلغ من العمر ستة وعشرين عاما.

وقُتل متظاهران آخران مساء الثلاثاء في بلدتي كَفري ودربندخان، وفق مسؤول محلي والهيئة العليا لحقوق الإنسان في بغداد.

ورغم أحداث العنف، فقد تجدّدت التظاهرات في بلدات عدة بمحافظة السليمانية. وفي بلدة تكية على مسافة 60 كلم جنوب غرب مركز السليمانية، حاول متظاهرون حرق مقار أحزاب ومقر للشرطة. وقتل في المكان متظاهر يبلغ من العمر 16 عاما، وفق ما أفاد به مصدر طبي.

وشهدت احتجاجات في بلدة سيد صادق غرب مركز المحافظة مقتل متظاهرين اثنين، وفق النائب السابق في برلمان الإقليم أميد هاما علي.

وأعلنت اللجنة الأمنية العليا في الإقليم منع التنقل بين مركز محافظة السليمانية وأقضيتها ونواحيها بدءا من منتصف ليل الثلاثاء ولمدة يوم واحد. وأثار العنف إدانات من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”. وجاء في بيان للبعثة أنّه “يجب أن تبدأ التحقيقات على الفور لتحديد مرتكبي أعمال العنف وأن تتم محاسبتهم بشكل كامل”.