استمرار دور تركيا ألغام..
شكوك سياسية متزايدة حيال نوايا البعثة الأممية في ليبيا

ستيفاني جاءت بأجندات في خدمة الإخوان
تُواجه البعثة الأممية للدعم في ليبيا ورئيستها بالإنابة، ستيفاني وليامز انتقادات حادة حيث باتت الشكوك تُخامر المتابعين كما الفاعلين في الأزمة الليبية غداة إسراع وليامز إلى ختام الجولة الأولى من جلسات الحوار الليبي – الليبي في تونس، ما يؤشر حسب هؤلاء على محاولات من البعثة لإعادة تثبيت الإسلاميين في السلطة.
عادت الشكوك في نوايا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتطل برأسها عقب حدوث مناورات خفية في ملتقى تونس للحل السياسي، أدت إلى رفعه على ضوء خلافات بين المشاركين فيه حول بعض الرؤى الرئيسية.
وشهدت اجتماعات تونس التي عقدت خلال الفترة من 7 إلى 15 نوفمبر، الكثير من الشد والجذب بين الأعضاء، وحاولت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز التغطية على المناوشات، وأشاعت أجواء متعمدة من التفاؤل عبر وسائل إعلام لتمرير أجندة تضمن بشكل غير مفهوم إعادة تدوير التيار الإسلامي في السلطة خلال المرحلة المقبلة.
ونجحت ستيفاني في تحقيق جوانب إيجابية في الملتقى، وبدت النقطة المضيئة هي تحديد موعد لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021، لكنها أخفقت في اختيار أسماء من يتولون السلطة التنفيذية المؤقتة، بشقيها المجلس الرئاسي والحكومة، وتداولت بورصة الترشيحات أسماء عدة، كان أبرزها وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا.
وأربك دخول رئيس المجلس الرئاسي، رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، على خط الانتخابات المقبلة وتأييده لها تقديرات بعثة الأمم المتحدة بشأن تشكيل إدارة جديدة.
وعلمت “العرب” من مسؤول سياسي عربي كبير حضر اجتماعات تونس، وألمّ بالكثير من تفاصيلها وكواليسها، والتربيطات التي دارت للدفع بأسماء معينة، ضمن حسبة توازنات غلبت عليها ميول واضحة لتثبيت المكاسب التي حققها إسلاميو ليبيا.
ولاحظ المصدر أن عددا من الشخصيات الـ75 التي حضرت ملتقى تونس هم أنفسهم من سبق أن رشحهم رئيس بعثة الدعم في ليبيا السابق غسان سلامة لحضور مؤتمر غدامس في أبريل عام 2019، والذي لم ينعقد بسبب تحرك قوات الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس في ذلك الوقت.
وليامز تملّكها شعور جارف بأن عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مع نجاح بايدن تدعم خطة الاعتماد على الإسلاميين في ليبيا
وفشلت دعوة سلامة الأولى ورحل الرجل، لكن بقي الجسم الرئيسي خطته، لإعادة تعويم الإسلاميين، ولعل تغريده فجأة على تويتر وحديثه الإيجابي عن تقدم غير موجود بعد فترة من العزوف عن الأزمة الليبية، ينطوي على رضاه لما تقوم به ستيفاني حاليا، حيث يرتاح لأنها تمضي في الطريق الذي بدأه، ولم يتمكن من استكماله لأسباب سياسية أو صحية، فقد عاد جزء كبير من الخارطة التي رسمها للتنفيذ.
وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن ستيفاني تملّكها شعور جارف خلال أيام الملتقى بأن عودة الإدارة الديمقراطية إلى البيت الأبيض مع نجاح جو بايدن تدعم خطة الاعتماد على التيار الإسلامي في ليبيا، لأنها محسوبة على هذا الحزب، وتتبنى أفكاره بالنسبة إلى الموقف من هذا التيار، وتعتقد أن الدماء ستضخ في عروقه مع تولي بايدن رسميا، وهي غير مدركة لحجم التغيرات التي حدثت في المنطقة والعالم.
وسعت ستيفاني بكل قوتها السياسية إلى عدم المساس بالاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية، التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا، لتعزيز نفوذ الإسلاميين، وهو ما يبدو أنه شجع قطر للتوقيع على حزمة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع كل من وزيري الداخلية والدفاع مؤخرا، لتأمين مستقبل وجودها وأنقرة في ليبيا.
وظهرت المبعوثة الأممية بالإنابة، وغالبية من حضروا ملتقى تونس، أسيرة مرشحين محددين، دون مراعاة جيدة لطبيعة اللحظة التاريخية التي تمر بها الأزمة الليبية، وتفرض عدم المساس بسيادة الدولة، واتخاذ كل ما من شأنه أن يعزز وحدتها واستقلالها.
وأكد المصدر لـ”العرب” أن الخلاف احتدم عند التصويت على خروج كل من شغل مناصب رسمية خلال الفترة من 2014 إلى 2020، حيث يعني التصويت بنعم شريطة الحصول على نسبة 75 في المئة، عدم ترشيح فتحي باشاغا للحكومة، وعقيلة صالح رئيس البرلمان في طبرق لمنصب رئيس المجلس الرئاسي، وفشلت عملية تمرير خطة احتوت على هذا المعنى، على الرغم من نبرة التهديد والوعيد.
وكانت النقطة الأكثر إثارة والتي كشفت حجم “التواطؤ أو الجهل” لما يدور في ليبيا، أن البعثة الأممية أرادت منح أعضاء الملتقى صلاحيات تشريعية، تتجاوز بها كل الأعراف والتقاليد، حيث جرى اختيار شخصيات تحوم حولها شبهات سياسية، ولا تغطي كل المناطق الليبية، فلا يعقل عدم وجود ممثلين مباشرين لكل من ترهونة والجبل الغربي والجفرة والكفرة والهلال النفطي، كما أن هناك أوزانا كبيرة لمدن على حساب أخرى، ما يخل بالمعادلة المناطقية التي تمثل حساسية واضحة.
لم يكن مفهوما حديث ستيفاني المتواتر عن تقدم كبير حققه ملتقى تونس قبيل انتهائه، ما يمثل كذبا على الليبيين، ولم يتقبله الكثيرون، حيث بدأ يظهر في شكل انتقادات حادة للبعثة الأممية التي بدت رئيستها بالإنابة تريد ختام دورها في ليبيا بتحقيق إنجاز على الورق، يمكن بسهولة أن يعيد تكرار نتائج اتفاق الصخيرات.
وحاولت قوى إقليمية ودولية عديدة تحاشي عيوب تطبيق الصخيرات من خلال الدفع نحو نجاح المسارين العسكري والاقتصادي، وبالفعل حققا تقدما كبيرا يمكن البناء عليه، مقارنة بالمسار السياسي الذي أصبح مربوطا برهانات ضيقة من قبل قوى محلية استفادت من ارتباك البعثة الأممية وتشبثها بتدشين رؤى بعينها.
وقال المصدر الذي تحدثت معه “العرب” إن مواقف الدول الغربية متباعدة ومفككة، على الرغم مما يبدو من انسجام أحيانا حول الحل السياسي، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، وهو ما يتسبب في تراجع الكثير من التحركات الإيجابية، وتغيير مسارها في منتصف الطريق، مؤكدا أن كل ما يهم الولايات المتحدة هو منع تكريس نفوذ روسيا في ليبيا بأي شكل، وهو ما دفعها نحو تأييد الحل السياسي مؤخرا.
وفي ظل الأجواء القاتمة التي تخيم على الولايات المتحدة جراء أزمة الانتخابات الرئاسية، قد يتراجع الزخم الذي أبدته واشنطن في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يمكن أن تستغله روسيا لإعادة التموضع سياسيا هذه المرة، والضغط على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لحسم مصير ستيفاني في البعثة بعدما عززت انحيازها لباشاغا، وسعت حثيثا لتثبيت مكانة تركيا والإسلاميين.
وكشف المصدر أن سيناريو تمكين فتحي باشاغا كفيل بزيادة نسبة الاحتراب، فالرجل ليس محل توافق من قبل مصراتة نفسها، وعليه خلاف كبير بين السياسيين، ولم يؤيده في ملتقى تونس صراحة سوى عدد محدود، وألمح إلى تقديم إغراءات مادية لجلب أصوات له، بينما لم تكن نسبة كبيرة من التيار الإسلامي متحمسة له خوفا من تداعيات وجوده على رأس السلطة، فقد تدخل طرابلس في مستنقع جديد من الاحتراب.
وقد يمنح رفع الجولة الأولى لملتقى تونس البعض فرصة لالتقاط الأنفاس، وربما تفرز هذه الفترة القصيرة واقعا يؤثر على جولاته المقبلة، إذا جرت إعادة الحيوية لمجلس النواب وقبض على زمام المبادرة، كجسم وحيد منتخب، لتحديد الخطوط العريضة لاحقا، والتخلص من العيوب التي شابت الأداء العام بسبب الانقسام بين طبرق وطرابلس، ما يعني وضع نهاية مبكرة للملتقى.
وأصبح عقيلة صالح في موقف حرج، حيث يريد تعظيم دوره السياسي من باب التحالف مع جماعة الإخوان، وهو الخطأ الذي يمكن أن يرتكبه في حق نفسه ومن يقفون خلفه، لأن أي تحالف مع هذه الجماعة مكتوب عليه الفشل.