انهيار أسعار النفط وكورونا يفرضان ضرورة توليد مصادر تمويل جديدة

الخليج يختبر الضريبة على الدخل من بوابة سلطنة عمان

يكشف توجه سلطنة عمان نحو اعتماد ضريبة على أصحاب الدخول القوية رهان منطقة الخليج على تعزيز الإيرادات بواسطة الضرائب في ظل تحديات انهيار أسعار النفط الذي دفع إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة.

ضرائب أبعد من مراقبة دخل الموظفين ورجال الأعمال

مسقط

تعكس تحركات سلطنة عمان نحو فرض ضريبة على الدخل أن منطقة الخليج باتت تختبر وقع هذا الإجراء الجديد على مواطنيها الذين لم يعتادوا على فرض ضرائب طيلة عقود من سخاء النفط، غير أن المعادلة الاقتصادية تغيرت بفعل انهيار أسعار الخام وضغوط كورونا.

وقالت تقارير وأبحاث إن توجه عُمان نحو اعتماد ضريبة دخل تُطبق على أصحاب الدخل المرتفع في 2022 يؤشر على التحول المتزايد داخل دول الخليج للتقليل من اعتمادها الكبير على عائدات النفط والغاز.

وأعلنت وزارة المالية العمانية مطلع نوفمبر الجاري أن خطتها الاقتصادية للفترة من 2020 إلى 2024، تستحدث فرض ضريبة دخل تُطبق على أصحاب الدخل المرتفع في العام 2022.

والهدف من الخطة هو خفض عجز الميزانية إلى 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2024، من عجز مبدئي نسبته 15.8 في المئة في العام الجاري.

وتستهدف السلطنة زيادة الإيرادات غير النفطية للحكومة إلى 35 في المئة من الإجمالي بحلول 2024، من 28 في المئة هذا العام. ولا تحصل أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست، وجميعها منتجة للنفط، على ضريبة دخل من الأفراد.

وتسعى الخطة إلى تحسين التوازن المالي العماني المتضرر من الوباء عن طريق خفض النفقات الحكومية وزيادة الإيرادات غير النفطية عبر الضرائب الجديدة، وغيرها من التدابير الأخرى.

ومنذ عقود لم تكن ضرائب الدخل مستساغة على المستوى السياسي والثقافي في الخليج، غير أن المواقف الشعبية تشهد تحولات مع تجربة الحكومات لمثل هذه الإصلاحات. وبالتالي، ستصبح تجربة عمان في إدخال ضريبة دخل جديدة بمثابة اختبار لما هو ممكن في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وتبقى تفاصيل المبادرة المقترحة في مرحلة المراجعة، مما يشير إلى أن هناك نقاشا سياسيا مستمرا حول معدلات الضرائب ومَن ستشمل.

وتستمر المفاوضات والمناقشات بين المسؤولين لمراجعة قيود التأشيرات للعمال الأجانب والتقاعد المبكر لموظفي القطاع العام، بما سيساعد في التقليل من الإنفاق الاجتماعي الذي تتكبّده الحكومة وفاتورة الأجور العامة. لكن عمان تأمل في إبقاء الإعانات الشعبية والبرامج الاجتماعية للحد من مخاطر رد الفعل الشعبي والاضطرابات.

ويرى خبراء أن سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق يبدو أكثر استعدادا لتنفيذ الإصلاحات المالية التي طال انتظارها.

ويبدو السلطان، الذي تولى السلطة في يناير، مدركا أن المطالب المالية المتزايدة ستتطلب تنفيذ إصلاحات سياسية طال انتظارها وأخذها جيرانها في مجلس التعاون الخليجي في الاعتبار بالفعل.

 وبينما تواجه دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ظروفا مماثلة، تأثرت الموارد المالية العمانية بانخفاض أسعار النفط منذ سنة 2014 بسبب انخفاض نصيب الفرد من إنتاج النفط والغاز في عمان وانخفاض احتياطياتها المالية ومبالغ صناديق الثروة السيادية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد العماني بنسبة 10 في المئة في 2020، وهو الأحدّ بين جيرانه في دول مجلس التعاون الخليجي.

كما خفضت شركة “ستاندرد آند بورز” الأميركية للخدمات المالية تصنيف سلطنة عمان السيادي مرتين في 2020، إذ أجبر انخفاض الإيرادات البلاد على اقتطاع قدر كبير من الديون.

وشهدت عمان زيادة ديونها الحكومية إلى 78.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الحالية، وهي نسبة قد ترتفع إلى 85.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، وفقا لصندوق النقد الدولي.

ووفقًا لتوقعات ستاندرد آند بورز وصندوق النقد الدولي، قد يصل العجز المالي العماني إلى 18.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في زيادة حادة عن عجز سنة 2019 البالغ 7.1 في المئة.

ومقارنة بنظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، كانت عُمان من بين الأبطإ في فرض ضريبة القيمة المضافة التي أعلنت الحكومة مؤخرا أنها ستدخل حيز التنفيذ في أبريل 2021.

وتحتاج عمان والبحرين إلى الإصلاح الاقتصادي لأنهما تفتقران إلى احتياطيات النفط والغاز الكبيرة، ولكن يُحتمل أن تفرض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ضرائب مماثلة في السنوات القادمة.

وقد نصحت المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والشركات الاستشارية العالمية، دول مجلس التعاون الخليجي بفرض المزيد من الضرائب لتوليد إيرادات إضافية غير نفطية والتقليل من نفقات الدولة.

وفي فبراير، نشر صندوق النقد الدولي دراسة حول الاستدامة المالية. وأبرز أن عُمان والبحرين والمملكة العربية السعودية هي الأكثر عرضة لتقلبات أسعار النفط مقارنة بالكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، التي تتمتع بمراكز مالية أقوى.

وسيراقب قادة دول مجلس التعاون الخليجي رد فعل العمانيين على هذه المقترحات لقياس خياراتهم ومدى التسامح المحلي في تطبيق ضريبة الدخل.

ونظرا للحساسية المرتبطة بزيادة الضرائب، من المحتمل أن يقدّم المواطنون العمانيون بعض الشكاوى عبر قنوات غير رسمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي من الآن حتى تاريخ التنفيذ المقترح في 2022.

وسيتطلب الوضع المالي الضعيف لسلطنة عمان بعض الإجراءات الجديدة لتوليد الدخل، مما يقلل من احتمال إلغاء الضريبة المقترحة. ومع ذلك، يمكن أن تترتب على تعديلها هيكلة السياسة المالية التقليدية لدول مجلس التعاون الخليجي مع أخذ التعليقات العامة في الاعتبار.

كانت مخططات الضرائب في دول الخليج العربي سخية للعمال الأفراد والشركات. لذلك، لا يزال إصلاح السياسة الضريبية موضوعا مثيرا للجدل في دول مجلس التعاون الخليجي، أين تقدم الحكومات دعما وامتيازات كبيرة ممولة من النفط.