الحكومة الأردنية

الحريري بين الخضوع لشروط باسيل ونصرالله أو الاعتذار

يواجه رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري وضعا صعبا في ظل سقف المطالب العالي الذي يطرحه التيار الوطني الحر، وإصرار حزب الله على المشاركة في الحكومة رغم الفيتو الأميركي، ويرى مراقبون أن خيارات زعيم المستقبل تبدو محدودة، فإما أن يخضع لمطالب الثنائي وإما تقديم تشكيلة من بنات أفكاره ساقطة حتما.

خيارات أحلاها مر

بيروت

 نسف التيار الوطني الحر الأجواء الإيجابية التي طبعت الأيام الأخيرة بشأن قرب التوافق على تأليف حكومة لبنانية جديدة، برفع سقف مطالبه عاليا في وجه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بدءا بتشكيل حكومة موسعة لا تقل عن 20 وزيرا مرورا بتثبيت حقيبة الطاقة في حصته وانتهاء بالثلث المعطل.

ومنذ تسمية الحريري رئيسا للوزراء كان متوقعا ألا يتساهل التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل معه لعدة اعتبارات بعضها شخصي في علاقة بأن التيار لم ينس لزعيم المستقبل خضوعه للحراك الشعبي في أكتوبر من العام الماضي وإدارة ظهره للعهد، والنقطة الأهم هو تراجع الأضواء الخارجية المسلطة على باسيل وسقوط المبادرة الفرنسية عمليا وهما عاملان أعادا الثقة للأخير للقتال من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققها طيلة السنوات الماضية.

ويصر باسيل على ألا يترك للحريري الانفراد بعملية التأليف، ليس ذلك فحسب بل يتمسك بأن يكون لديه الثلث المعطل في الحكومة المقبلة وأن يثبت حقيبة الطاقة من حصته رغم الفشل الذريع للتيار الوطني الحر على مدى أكثر من عشر سنوات في هذا الملف، ويتذرع بأن ما ينسحب على الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) الذي فرض أن تبقى وزارة المالية من حصته ينسحب عليه أيضا.

وقال القيادي في تيار المستقبل (حزب الحريري) مصطفى علوش، إن، جبران باسيل، يريد “تكبير حجم الحكومة والحصول على عدد وزارات يؤمن له الثلث المعطل”.

وكشف علوش، أن باسيل يطالب بحكومة مؤلفة من 24 وزيرا، ويبدي رغبته في الحصول على 9 وزارات مع حلفائه، أي الثلث المعطل. وأشار في هذا السياق إلى أن الحريري لا يزال متمسكا بالعمل على تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدا عن الأحزاب، لافتا إلى أن رئيس الحكومة المكلف “متكتم على الأسماء”.

وفي 22 أكتوبر الجاري، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون، الحريري، بتشكيل الحكومة الجديدة، عقب اعتذار مصطفى أديب في 26 سبتمبر الماضي، لتعثر مهمته في تأليفها، بسبب الشروط والشروط المضادة.

وكانت عودة الحريري المفاجئة وقد طرح نفسه لهذا المنصب مشروطا بجملة من المطالب في مقدمتها تشكيل حكومة من اختصاصيين بعيدا عن الأحزاب لمدة ستة أشهر تتولى الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد والمجتمع الدولي، وتحضر لانتخابات نيابية، في إطار إعادة إنعاش المبادرة الفرنسية.

هذه الشروط سرعان ما نسفت منذ لحظات التشاور الأولى على شكل الحكومة وتركيبتها، وتقول مصادر إن الحريري نفسه فتح المجال لعودة صراع المحاصصة السياسية والطائفية من خلال عرضه على التيار الوطني الحر مبادلة حقيبة الداخلية بالخارجية.

والتعثرات المسجلة على مستوى تشكيل الحكومة لا تتعلق فقط بسقف المطالب العالية للتيار الوطني الحر، فهناك أيضا حزب الله الذي يرفض ألا يكون له حضور في الحكومة المقبلة، فيما يواجه الحريري ضغوطا أميركية بضرورة أن تكون التشكيلة الحكومية بعيدا عن تأثيرات الحزب الشيعي المصنف لديها إرهابيا.

وقال القيادي في المستقبل مصطفى علوش إن الإصرار على تمثيل حزب الله في الحكومة “يعرضها للمزيد من الضغوطات”، مشددا على ضرورة أن يتجنب الحزب فرض أي وزراء لتسلم حقائب وزارية محددة في الحكومة المقبلة.

وأكد علوش على أنه لا بد من “تشكيل حكومة مصغرة لا تحتوي على ثلث معطل، وإبعاد وزراء حزب الله عن الوزارات ذات التأثير”.

وترى دوائر سياسية لبنانية أن الحريري اليوم يبدو كما لو كان محشورا في الزاوية، فهو من جهة لا يستطيع المجازفة بعرض تشكيلة حكومية قد لا يقبلها التيار الوطني الحر، وبالتالي سيكون مضطرا لتعديلها، أو إعلان الاعتذار ومن جهة ثانية فإن استمرار المشاورات على هذا النحو يعني إطالة أزمة التشكيل الحكومي فيما لبنان لا يملك ترف الوقت سواء كان على الصعيد الاقتصادي والمالي أو في علاقة بما قد يواجهه من عصف بعد الانتخابات الأميركية.

وتساءل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد، “إلى متى يتمادى المعنيّون، من مسؤولين وسياسيّين ونافذين وأحزاب، وبأيّ حقّ، في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة؟ ألا يخجلون من الله والناس وذواتهم وهم يعرقلون، لا حمايةً للمبادئ الدستوريّة والثوابت الوطنيّة، بل تمسّكًا بمحاصصتهم، والحقائب الطائفيّة، فيما نصف الشعب اللبناني لا يجد ‘حصّة’ طعام ليأكل ويوضّب ‘حقائبه’ ليهاجر”.

وقال الراعي “يا للجريمة بحقّ الوطن والمواطنين. فليوقف جميع الأطراف ضغوطهم على الرئيسِ المكلَّف، لكي يُبادرَ بالتعاونِ مع رئيسِ الجمهوريّةِ إلى إعلانِ حكومةٍ بمستوى التحديات. لكنَّ ما رَشَح عن نوعيّةِ الحكومةِ العتيدةِ لا يُشير إلى الاطمئنان”.

من جهته صرح عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي سعد “بأن ما يحصل على مستوى تشكيل الحكومة هو أمر غير مقبول. في البداية أتحفونا وأشبعونا بشعارات التسهيل والمطالبة بحكومة مستقلة بعيدة عن الأحزاب. ويوما بعد يوم بدأت أرانب الأحزاب تطل، الأرنب تلو الآخر. وبدأت المشاركة تظهر جلية من خلال المطالبة بأعداد وحقائب”.

وكان رئيس البرلمان نبيه بري، قال الأربعاء الماضي، إن الحكومة المنتظر تشكيلها “قد تبصر النور في غضون 4 أو 5 أيام، إذا ظلت الأجواء إيجابية”، وفي ظل الوضع الراهن لا يبدو أن تفاؤل بري في محله، وأن المؤشرات توحي بأن نصيحة حسن نصرالله في إطلالتة الأخيرة بعدم الغوص في التفاؤل تعكس نظرة أكثر واقعية لسبب بسيط وهو علو سقف مطالبه وحليفه باسيل وصعوبة هضمها من قبل الحريري.

وهذه المرة الرابعة للحريري على رأس الحكومة، إذ تولى الأولى في 2009، والثانية عام 2016، قبل أن تنهار حكومته الثالثة في 29 أكتوبر 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية، ليخلفه حسان دياب الذي استقال عقب 10 أيام على انفجار مرفأ بيروت.