منافسة حادة بين القوى المختلفة
كثرة الطباخين تفسد جهود حل الأزمة الليبية

صعود شاق إلى الاتفاق
تحاول قوى محلية وإقليمية ودولية تعزيز أدوارها في الأزمة الليبية بعدما لاحت في الأفق ملامح حلحلة سياسية متوازية، وزادت التحركات مع الإعلان عن انعقاد محادثات في جنيف، منتصف الشهر المقبل، برعاية الأمم المتحدة، ومهمتها إعادة ترتيب الأوضاع في البلاد وتشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين.
وقالت مصادر سياسية، لـ”العرب”، إن كثرة الطباخين قد تفسد التسوية السياسية في ليبيا، وتؤدي إلى منافسة حادة بين القوى المختلفة، وتجهض الجهود الرامية إلى إنهاء التدخلات الخارجية في الأزمة ووضعها على الطريق الصحيح.
وتحتضن مدينة الغردقة المصرية المطلة على البحر الأحمر اجتماعات لمدة ثلاثة أيام، بدءا من الأحد حتى الثلاثاء، برعاية الأمم المتحدة، وتضم عددا من العسكريين المنتمين إلى الجيش الليبي في الشرق، وآخرين ينتمون إلى حكومة الوفاق في الغرب.
وتستأنف جلسات بلدة بوزنيقة المغربية بين وفدي برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة، الثلاثاء، لإجراء محادثات بشأن التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف الليبية حول المناصب السيادية الرئيسية، في أجواء أقل تفاؤلا مما سبق.
وبالتوازي مع ذلك تبذل فرنسا جهودا دبلوماسية لإعادة وضع باريس في قلب المحادثات في أعقاب إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في الأسبوع الماضي رغبته في جمع الدول المجاورة لليبيا من أجل إيجاد حل للصراع، وذلك في قمة يحاول أن تعقد بعد اجتماعات في باريس بين قائد الجيش المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، في حين تتواتر الأنباء بشأن مساع إيطالية لنقل محادثات جنيف إلى مالطا.
ويخشى مراقبون أن تؤدي كثافة الأضواء المسلطة على المؤتمرات المتوازية إلى التشويش على التحركات الساعية للحل، وتلقي بظلال سلبية على مؤتمر جنيف، وتجعله يعقد لمجرد الانعقاد دون الحصول على ضمانات تسمح بتنفيذ مخرجاته.
واعتبر رئيس لجنة التواصل الاجتماعي الليبية – المصرية، الشيخ عادل الفايدي، أن مصير اتفاق جنيف هو مصير اتفاق الصخيرات، لأنه يفتقر إلى توحيد الأطر والصفوف والرؤية السياسية، ولا يضم كل الشخصيات الفاعلة، بينما تصر بعثة الأمم المتحدة على تدوير الوجوه، والاستعانة بشخصيات كان لها دور كبير في تأزيم الحل.
وقال الفايدي، وهو أحد مشايخ ليبيا الكبار، في تصريح لـ”العرب” إن “القبائل التي تمثل كتلة كبيرة في البلاد ومؤثرة لم تنجح بشكل واضح في توحيد صفوفها، والكثير من المساهمات التي تتم باسم القبائل لا تعبر عن قيمها الحقيقية”.
ومن المتوقع أن تستضيف القاهرة خلال الأيام المقبلة مؤتمرا جديدا للمصالحة الوطنية الليبية، بمشاركة شخصيات تنتمي إلى أطياف سياسية واجتماعية مختلفة، أملا في توحيد الرؤى قبل الذهاب إلى جنيف.
ويعد التوصل إلى تفاهمات بين القوى المتصارعة عملية في غاية الأهمية، حيث يصر كل طرف على تغليب مصالحه والتمسك بما حققه من مكاسب، ورفض التنازل للآخر.
ومن ضمن الملفات المعروضة في الغردقة بحث آليات إنهاء وجود المرتزقة في البلاد، ونزع سلاح الكتائب المسلحة، وتشكيل قوات وطنية لتأمين مناطق استخراج النفط، وضمان استمرار تدفقه، وتغيير طريقة التحكم في الموارد لضمان التوزيع العادل.
وجرى اختيار الغردقة، البعيدة عن القاهرة بنحو 500 كيلومتر، لضمان سرية اللقاءات بهدوء، وقيل إنها تضم قيادات وأسماء أمنية وسياسية واقتصادية رفيعة من الطرفين، ولم يتم الإفصاح عنها، وهدفها التفاهم حول مقتضيات تشكيل قوات مشتركة مهمتها تأمين الحكومة الجديدة المقترح أن يكون مقرها في مدينة سرت وسط ليبيا، والتمهيد لاستئناف المحادثات بشأن توحيد المؤسسة العسكرية لاحقا.
وتبذل القاهرة جهودا لتوحيد البرلمان الليبي بموازاة توحيد المؤسسة العسكرية، واستضافت أعضاء في مجلس النواب من الغرب أخيرا، وتوافقوا على استمرار المساعي في اتجاه التفاهم السياسي.
وقال عضو البرلمان الليبي، فرع طرابلس، أيمن سيف النصر لـ”العرب” إن “هذه المهمة ليست مستحيلة، إذا توافرت النوايا الحسنة وجرى تغليب مصلحة الوطن على غيرها من المصالح السياسية والعقائدية والمناطقية، وليبيا يمكنها أن تستوعب جميع القوى الوطنية وتُنهي التدخلات الخارجية”.
ورجحت مصادر ليبية أن تنسحب القوات التابعة للجيش الوطني، وتلك التابعة لحكومة الوفاق من محيط سرت لتسهيل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع ارتهانه برغبات من يريدون إفشاله لتحقيق أهداف معينة.
وتريد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تشكيل قوة موحدة تتولى تأمين مدينتي سرت والجفرة لفتح الطريق أمام الحل السياسي، وإيجاد مخرج مناسب لفكرة المنطقة العازلة التي رفضها الجيش الليبي سابقا، وأثارت مخاوف لدى مصر من أن تصبح التفافا على الخط الأحمر الذي رسمته قيادتها.
وطالبت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني ويليامز بفرض عقوبات على من يحاولون إفساد محادثات جنيف بين الفرقاء الليبيين، الهادفة إلى التفاوض بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحدد انتخابات برلمانية ورئاسية الفترة المقبلة.
وبدأت ترشح معلومات تؤكد أن شخصيات تنتمي إلى نظام العقيد الراحل معمر القذافي تستعد للمشاركة في اجتماع جنيف، وسط تصاعد مطالبات دعت إلى منح سيف الإسلام القذافي حرية الحركة والتنقل، ما يوحي بانخراطه في العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
وتراجعت حدة الممانعات الدولية لسيف الإسلام ضمنيا، لكن بعض الأطراف تخشى أن ينتج عن دخوله اللعبة انحياز إلى صف روسيا، ويمكن أن يتسبب في تجدد الصدامات بين مؤيدي الثورة وأنصار النظام السابق، المنقسم على نفسه، وإجهاض المساعي الراهنة.