مخاوف في العراق من تفجّر صراع داخلي بسبب شح المياه

نوعية حياة إلى زوال

بغداد

تلوح في العراق نذر تحوّل الصراع على المياه مع تركيا وإيران إلى صراع داخلي بين مناطق البلد وسكّانه جرّاء تفاقم التأثيرات المباشرة لشح المياه على الحياة اليومية، حيث أصبح الحصول على قدر كاف من الماء النظيف الصالح للشرب وري المزروعات أمرا غير متاح لكل السكان وفي كل الأوقات.

وحذر علي اللامي مستشار الشؤون البيئية لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من أن نزاعات قد تحصل بين بعض المناطق وربما بين السكان على اقتسام المياه.

وما يرشّح حدوث مثل ذلك الصراع أنّ الوفرة المائية التي كان يتمتّع بها البلد في أوقات سابقة جعلت عددا كبيرا من سكانه يبنون حياتهم على أساسها ويتوسّعون بشكل كبير في الزراعة وتربية المواشي والصيد النهري، ليجدوا أنفسهم في الأخير قد فقدوا بشكل جزئي أو كلّي المصدر الأساسي لرزقهم، ومضطرّين لترك مناطقهم والتخلّي عن مهنهم الأصلية والنزوح إلى المدن حيث يتعيّن عليهم بدء حياة جديدة من الصفر.

وتتفاوت نسبة تضرّر المناطق العراقية من شح المياه إذ أنّ الظاهرة تتفاقم بشكل أكبر كلما تمّ التوجّه جنوبا حيث محافظات الناصرية والمثنى وذي قار وميسان والبصرة التي تعتمد في التزود بالمياه على نهري دجلة والفرات وتفرعاتهما.

في المقابل تبدو مناطق واقعة بشمال وغرب العاصمة بغداد أفضل حالا من مناطق الجنوب، وإن لم تسلم هي بدورها من تأثيرات شح المياه.

وفي ظل ذلك التفاوت بدأت أصوات ترتفع داخل المحافظات الجنوبية باتهام سكان شمال وغرب العراق باحتجاز المياه في السدود والبحيرات وحرمان الجنوب من حصته.

كما تشمل الاتهامات سكان المدن التي يمر بها دجلة والفرات وصناعييها بالاستغلال الفاحش لمياه النهرين وتلويثها.

ولم يتردّد بعض سكان المحافظات النفطية بجنوب العراق في التهديد بوقف إنتاج النفط في محافظاتهم كردّ على عدم تدفّق المياه بالقدر الكافي نحو مناطقهم.

لكن مناطق جنوب العراق لا تخلو بحدّ ذاتها من اضطرابات وصراعات بين سكّانها وعشائرها حول المياه.

وتكرّر خلال السنوات الأخيرة مشهد سكان محافظات مثل الناصرية والبصرة وذي قار وهم يخرجون إلى الشوارع ويقطعون الطرق بالحواجز والإطارات المشتعلة ويتجمّعون أمام مقرّات الحكومات المحلية للمطالبة بتوفير المياه لهم ولمزروعاتهم ومواشيهم.

ونشبت في بعض مناطق جنوب العراق مشادّات بين بعض الأفراد والعشائر حول تقاسم الحصص المائية تم خلالها استخدام الأسلحة النارية.

ونتج بعض تلك المشادّات عن اتهامات لبعض الوجهاء والنافذين باستخدام المال والنفوذ لدى السلطات المحلية للحصول على مقادير إضافية من المياه على حساب غيرهم.

وشهدت منطقة الشطرة شمالي الناصرية في صيف سنة 2022 حدثا فريدا عندما قامت مجموعة من السكان بإحداث ثقب كبير باستخدام جرّافة في سدّ يقع في المنطقة بهدف سحب المياه باتجاه مزارعهم، الأمر الذي أثار حالة من الفزع من إمكانية انهيار السدّ.

وقال اللامي إنّ العراق من الدول الكبرى المتأثرة بالتغيرات المناخية وبالذات في ما يخص ارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة الأراضي المتصحرة والعواصف الترابية، لافتا إلى أن تلك التأثيرات تتزايد بشكل سلبي مع حبس المياه من قبل دول الجوار.

ولفت في حديث لموقع رووداو الإخباري إلى أنّ مشكلة شح المياه تظهر في أراض ومناطق كثيرة تتعرض للجفاف، وخاصة المناطق الزراعية والريفية والأهوار، وبالتالي تنقطع سبل عيش الناس المعتمدين على الزراعة والصيد ما يتسبب بنزوح هذه المجتمعات المحلية إلى مناطق تتوفر فيها سبل العيش.

وحذّر من أنّ ظاهرة المياه ليست فقط مشكلة بيئية ذات آثار اقتصادية واجتماعية ولكن لها أيضا امتدادات أمنية محتملة، فقد تحصل نزاعات ما بين المناطق أو ربما ما بين بعض السكان على اقتسام المياه.

واعترف مستشار السوداني بأن سوء إدارة الموارد المائية ساهم في تفاقم مشكلة المياه بالعراق، لكنّه أشار إلى أنّ المشكلة الأساسية تظل في عدم الاقتسام العادل للموارد المائية مع تركيا وإيران.