السودان: نشاط مكثف لقوى الحرية والتغيير ينغصه غياب التوافق

اتفاق بين جوبا وقوى التغيير على توحيد المبادرات

الخرطوم

كثفت القوى المدنية في السودان تحركاتها الخارجية في الأيام الماضية للتأثير على التفاعلات السياسية في البلاد، تزامنًا مع محاولات تشكيل جبهة عريضة تضم جميع المكونات عبر تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، ما طرح تساؤلات حول تغيير في المشهد الراهن مع احتدام الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع.

وأعلن تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، الخميس، اتفاقه مع رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت على العمل لتوحيد المنابر والمبادرات لإحداث تكامل بين منبر جدة والاتحاد الأفريقي ومبادرة دول الجوار في شراكة إقليمية ودولية.

ولم تتحدث قوى الحرية والتغيير عن آليات تنفيذ مقترحها، لكنها أشارت إلى أنها ستتعاون مع دولة جنوب السودان لتحقيق الهدف، وأن رئيسها سلفا كير سيوجه دعوة إلى تنسيقية القوى المدنية وأطراف أخرى للحضور إلى جوبا لمعرفة رؤيتهم.

وعقد المجلس المركزي اجتماعات في جوبا أخيرا بعد أن أنهى المكتب التنفيذي للمجلس اجتماعات مماثلة في القاهرة كانت شاهدة على خروج عدد من التقديرات لحل الأزمة، بينها عقد لقاء مباشر قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وخاطب المجلس المركزي للحرية والتغيير قادة الجيش والدعم السريع لعقد لقاء مباشر يناقش إنهاء الحرب التي اندلعت منتصف أبريل الماضي، غير أن المجلس لم يحدد الآليات التي بمقتضاها يمكن أن يذهب نحو تحقيق هدفه، وما هي الأطراف التي ستكون راعية للحوار حال تم تنفيذه.

وينغص تحركات قوى الحرية والتغيير وقيادة الجبهة العريضة التي تأخذ في التشكل استمرار الانقسامات التي كانت سائدة بين القوى السياسية قبل الحرب، وضعف تأثيرها الشعبي، مع تشويه تعرضت له من قوى الثورة المضادة، وعدم قناعة شريحة من المواطنين بقدرتها على التأثير، ودخولها خلافات عميقة أثناء الفترة الانتقالية، وتحميلها جزءا من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.

وقال عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) اللواء كمال إسماعيل إن التعويل كبير على تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) التي تعمل على توحيد مبادرات القوى المدنية للحل لتكون هناك جهة يمكن الارتكاز عليها من جانب الأحزاب المدنية والتفاعل بقوة مع الأحداث الراهنة، ما يخدم أهداف القوى الوطنية الساعية لوقف الحرب.

وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير كثف اجتماعاته في كل من القاهرة وجوبا، ما يخدم التوافق على رؤية يتقدم بها التحالف لتنسيقية القوى المدنية، ضمن استعدادات لعقد المؤتمر التأسيسي للتنسيقية، مشيراً إلى أن القوى الثورية الفاعلة تعمل على تشكيل تكتل يمكن أن يخاطب المجتمع الدولي.

وذكر أنه في حال لم تكن هناك قدرة على توحيد قوى الثورة، فالتشاور والتنسيق معها لن ينقطع، وأن ثمة اتصالات تتم حاليا مع لجان المقاومة والحزب الشيوعي، بما يساعد على الخروج بمواقف سياسية متقاربة.

وتواجه تحركات المجلس المركزي انتقادات من قيادات في الحزب الشيوعي ترى أن حل أزمة بلادها يجب أن تأتي من الداخل، والسعي حثيثا لتحقيق مطالب الثورة، وهو ما يشي بتباعد الرؤى بين الطرفين الأبرز في معادلة القوى السياسية السودانية.

وترفض قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إجراء مباحثات مع قوى سياسية تقول إنها تدعم استمرار الحرب بما فيها الكتلة الديمقراطية لقوى الحرية والتغيير التي لديها صلة وثيقة بقائد الجيش الجنرال البرهان وكانت داعمة أساسية لانقلابه العسكري على السلطة المدنية في 25 أكتوبر 2021.

ويجعل الاستقطاب الحاد في السودان مع استمرار الحرب الثقة مفقودة بين أطراف تشاركت في عملية إزاحة الرئيس السابق عمر البشير عن السلطة، كما أن تعدد التحالفات والمسميات وعدم وجود رؤية تتماشى مع إفرازات الحرب الراهنة يدفعانها إلى الدوران في فلك اتخاذ مواقف إثبات الحضور دون التأثير بقوة على المشهد.

وألمحت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي إلى أنها ليست بعيدة عن مشهد مفاوضات منبر جدة التي تقودها الوساطة السعودية – الأميركية، لكنها ليست حاضرة في مبادرات الحل التي ركزت على طرفي الصراع، وفي الوقت ذاته تعول على دعم دولي لعملية الانتقال المدني الديمقراطي في السودان، ما يجعلها طرفاً مقبولاً يمكن أن يصعد إلى صدارة المشهد، حال جرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وأكد القيادي بالتيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين أن مشكلة القوى المدنية في عدم قدرتها على الاتفاق والتوحد، ولا يزال تأثيرها السياسي في الحرب الدائرة غير واضح، وهناك حاجة ماسة إلى عقد حوار مدني – مدني يصل إلى صيغة توافقية، بعدها يمكن أن تؤثر قوى الثورة في مجريات الأحداث والضغط لوقف الحرب.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المعطيات الحالية تشير إلى أن القوى المدنية على مختلف اتجاهاتها السياسية تتحرك بمعزل عن بعضها البعض، ما يضعف قدرتها على التأثير والتغيير الحقيقي، وإذا لم تكن الحرب وتداعياتها عظة بالنسبة إلى السودانيين بعد ما أحدثته من دمار للتوحد، سوف يكون من الصعوبة حدوث ذلك مستقبلاً.

وأشار صلاح الدين إلى أن القوى السياسية تقدم ما هو تكتيكي على ما هو إستراتيجي، وهو ما يمكن ملاحظته على مستوى الكتلتين السياسيتين الأكثر قوة وتنظيما وهما (الحرية والتغيير – المجلس المركزي، والحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية)، ولذلك يصعب التعويل بشكل قوي على تشكيل الجبهة المدنية العريضة طالما أنها تستثني مكونات ثورية أخرى، فالجميع لديهم هدف واحد يتمثل في ضرورة إنهاء الحرب وبدء عملية سياسية تشمل الجميع، ما عدا عناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول، الحاكم سابقا، والذي تبنى أجندة عقائدية دمرت مقادير البلاد.

وتتقارب البيانات الصادرة عن القوى السياسية في السودان ودائما ما تؤكد على أهمية الحفاظ على وحدة الدولة السودانية وأرضها ومواردها ورفض كل ما يؤدي إلى تمزيقها أو إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب أهلية ومجتمعية.

ودعت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إلى إنهاء الحرب الدائرة وتبني تسوية سياسية بلا صدام، وشددت على أهمية الالتفاف حول مبدأ وحدة السودان والسعي إلى تأسيس جيش مهني وطني وحيد.