تكتيك بحريني فعال في التوفيق بين المزاج الشعبي وعدم التراجع عن التطبيع

متنفس شعبي تحت السيطرة

المنامة

وضعت الأحداث الدامية في قطاع غزّة سلطات مملكة البحرين أمام معضلة مسايرة المزاج الشعبي المتعاطف بشدّة مع أهل القطاع، والحفاظ على العلاقات مع إسرائيل التي تعتبر المنامة أنّها تنطوي على مصالح حيوية للمملكة، أقلّها أنّ تلك العلاقات زادت في توثيق العلاقة مع الولايات المتّحدة وأدخلتها في طور جديد بعد مرحلة من الشك والتراجع النسبي.

ومأتى صعوبة التوفيق بين الأمرين ما تتميّز به البحرين من وضع استثنائي مختلف عن سائر بلدان الخليج ويتمثّل في وجود معارضة شيعية قوية تمكنّت السلطات من إخمادها إلى حدّ بعيد، لكنّ الحرب في غزّة منحتها فرصة جديدة لاستقطاب الأضواء كون مواقفها تتماهى إلى حدّ بعيد مع مواقف “محور المقاومة” الموالي لإيران.

وتعد العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة حصنا قويا لمملكة البحرين ضد إيران التي تتهمها المنامة بتحريض المواطنين البحرينيين الشيعة ضدّ سلطات البلاد التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.

وأعاد تطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل، علاقة المملكة بالولايات المتّحدة إلى سالف قوّتها، بعد مرحلة فتور نسبي نتج عن تسليط واشنطن بعض الضغوط على سلطات المنامة بسبب الملف الحقوقي وطريقة التعامل مع المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن تأثر العلاقة بالتوجّه الأميركي نحو تقليص الحضور في المنطقة والتراجع عن الالتزام بحماية أمن واستقرار دولها.

ولم يحقق اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل الذي وقعته البحرين في عام 2020 خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلا القليل من الفوائد لها في مجال الأعمال. لكن مصادر ومحللين يقولون إن المكاسب الإستراتيجية الأخرى التي حققتها البحرين أهم من أن تخاطر بها.

وقالت ستة مصادر مطلعة لوكالة رويترز إن البحرين لن تتخلى عن علاقاتها مع إسرائيل رغم أن البرلمان أصدر بيانا شديد اللهجة يشير إلى تجميد العلاقات مع تل أبيب.

وذكر أحد المصادر أن البحرين تحاول الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل وفي الوقت نفسه التعامل مع الرأي العام.

وقالت كريستين سميث ديوانْ، الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، “لا يمكن للبحرينيين التخلي عن التطبيع مع إسرائيل دون تعريض هذا الإطار الإستراتيجي برمته للخطر”.

ومع ذلك تطلب الأمر من البحرين التي تسعى إلى الحفاظ على الاتفاق دون المساس به بأي شكل، أن تظهر استياءها الشديد من الحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة في قطاع غزة، سواء من خلال انتقاد ولي العهد لإسرائيل في قمة أمنية عقدت في المنامة هذا الشهر أو عن طريق بيانات تصدر عن البرلمان أو سماح الحكومة بالاحتجاجات الشعبية بشأن هذه القضية.

وأصدر البرلمان البحريني المنتخب والذي ليست له سلطة على السياسة الخارجية، بيانا غير عادي في الثاني من نوفمبر الجاري قال فيه إن سفيري إسرائيل والبحرين غادرا البلدين وتم قطع العلاقات الاقتصادية.

وقال النائب ممدوح الصالح في البرلمان بعد أيام على ذلك الإعلان إن سفير إسرائيل غادر البحرين، وعبّر عن أمله في ألا يعود. وحقيقة أن البيان الخاص بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية جاء من البرلمان، وليس من وزارة الخارجية، أثار حالة من الغموض عما إذا كانت البحرين قد قطعت العلاقات رسميا.

وردت إسرائيل بأن العلاقات مستقرة، ولم يذكر بيان لاحق أصدرته حكومة البحرين سوى أن المبعوثيْن غادرا بالفعل دون ذكر أسباب. ولم تأت الحكومة البحرينية على ذكر العلاقات الاقتصادية وهي علاقات ليست ضخمة.

وقالت المصادر الستة المطلعة إن بيان البرلمان لا يعكس سياسة الحكومة. وذكرت المصادر أن الحيرة العامة المحيطة بالعلاقات مع إسرائيل خففت الضغط على الحكومة على ما يبدو في جهودها للموازنة بين المزاج الداخلي والعلاقات مع إسرائيل.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير في القدس إن المبعوثيْن سيعودان “عندما يسمح الوضع بذلك”. ويتزايد الغضب الشعبي من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألفا في القطاع حتى الآن وبدأ بعد أن شن مقاتلو حركة حماس هجوما مباغتا على إسرائيل أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص.

وخرج المئات من البحرينيين في مسيرات لإظهار التضامن مع الفلسطينيين والاحتجاج على علاقات المملكة مع إسرائيل. وقالت سميث ديوان “الناس غاضبون والحكومة بحاجة إلى تخفيف الضغط”، مشيرة إلى قرار السلطات السماح للمواطنين بتنظيم احتجاجات أسبوعية. ووصفت تسامح البحرين مع الاحتجاجات بأنه يناقض ما تتخذه السلطات البحرينية عادة من إجراءات أمنية مشددة ضد الاحتجاجات.

وعندما وقّعت البحرين على اتفاقيات إبراهيم بعد ذلك بعشر سنوات تقريبا، شكلت المخاوف من إيران الخلفية الأمنية مرة أخرى للخطوة، إذ لا تزال دول الخليج تعتبر أن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديدا أمنيا توسعيا في أماكن كثيرة من منطقة الشرق الأوسط.

وقال مسؤولون غربيون إن الاتفاقات وطدت علاقات البحرين بالولايات المتحدة، مشيرين إلى اتفاق دفاعي تم توقيعه هذا العام. واعتبرت إسرائيل، المعزولة اقتصاديا وسياسيا إلى حد كبير عن جيرانها في الشرق الأوسط منذ عقود، الاتفاقات بمثابة تحول في الوضع الإقليمي وفتح لعلاقات تجارية جديدة.

وقال توبياس ليندنر، وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، خلال قمة عقدت هذا الشهر في المنامة “رأيت هنا إشارات واضحة من دول الخليج العربية بأنها لا تريد التخلي عما تم إنجازه في السنوات الثلاث الماضية”. وأضاف “حكومة مملكة البحرين من أشد المؤيدين لاتفاقيات إبراهيم”.

ويأتي ذلك على الرغم من أنّ أرقام التجارة بين البحرين وإسرائيل لا تزال متواضعة حيث تبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 30 مليون دولار منذ عام 2021 بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية.