عنف طائفي يسمم حياة العراقيين في ديالى

كاهل مثقل

المقدادية

مرّت سيارة حسين ميثم وعائلته أمام واحة نخيل تقع قرب منزله. كانت العائلة في طريقها إلى المنزل بعد شراء ألعاب لأبناء عمومته الصغار عندما داست السيارة قنبلة مزروعة على طريق ينيره ضوء القمر.

وقال حسين البالغ من العمر 16 عاما وهو يرتعش في سريره بالمستشفى إنه لا يتذكر الانفجار.

وسُجّلت الحادثة خلال شهر مارس الجاري في قرية الحزانية ذات الأغلبية الشيعية. وألقت قوة الانفجار المراهق خارج السيارة، لكن جميع مرافقيه ماتوا وهم والداه وخالته وثلاثة من أبناء عمومته.

ويقول سكان إن مسلحين كانوا مختبئين في قنوات الري القريبة أطلقوا النار مما أسفر عن مقتل شخصين آخرين.

وكان هذا الهجوم الأحدث في محافظة ديالى الواقعة شمال شرق العاصمة بغداد. ويقول مسؤولون أمنيون إن مهاجمين مجهولين قتلوا ما لا يقل عن 19 مدنيا خلال الأسابيع الماضية.

ويساهم العنف في تأليب الجماعات ضد بعضها البعض في المحافظة المتنوعة عرقيا ودينيا. ويثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن أن يستمر الهدوء والاستقرار النسبيان اللذان سادا في جل العراق خلال السنوات التي تلت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ويرى الشريك في مؤسسة رؤية للتنمية مهند عدنان أن العراق تجاوز الظروف التي صاحبت صعود داعش والعنف الطائفي الدموي واسع النطاق الذي انتشر إثر الغزو الأميركي قبل عقدين، لكن الأوضاع لا تزال مضطربة في بعض مناطق البلاد، مثل ديالى.

وتعيد موجات العنف فتح الجراح القديمة. وقال عدنان إن “بعض القرى لم تستطع طيّ صفحة الماضي”.

ويعتبر المسؤولون والسكان أن بعض الهجمات في ديالى مرتبطة بنزعة طائفية في علاقة بانتقام من السنة على خلفية هجوم تحمل تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته.

لكنهم يقولون إن هناك عمليات قتل أخرى نفذها الشيعة ضد أبناء طائفتهم في صراع الميليشيات المتنافسة وحلفائها القبليين والسياسيين في المحافظة على النفوذ وشبكات الابتزاز المربحة.

وتعدّ ديالى المتاخمة لإيران وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق قناة رئيسية لتهريب السلع والمواد كالمخدرات.

وافتكّت منظمة بدر المدعومة من إيران، وهي أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي في العراق، السيطرة على المحافظة من داعش في عام 2015.

وأكدت منظمة بدر هيمنتها منذ ذلك الحين على العديد من الأحزاب السياسية الشيعية والقوات شبه العسكرية المرتبطة بها، وحتى بعض الجماعات السنية.

وعاد معظم السكان السنة الذين نزحوا خلال الحرب ضد داعش إلى المحافظة، لكنهم يقولون إن السلطات والجيران ينظرون إليهم بعين الريبة بسبب انتمائهم المفترض إلى المتطرفين. وتشهد مناطقهم سلسلة من الهجمات الانتقامية كلّما شنت خلايا التنظيم هجمات على المدنيين أو قوات الأمن.

وقُتل تسعة أشخاص، من بينهم نساء وأطفال، في قرية الجلايلة السنية خلال هجوم شُنّ في فبراير بعد شهرين من اتهامهم بالسماح لداعش بشن هجوم على قرية مجاورة، وفقا لمسؤولين أمنيين.

وقال القروي عوض العزاوي إن “المهاجمين تحركوا علنا عبر المنطقة دون ارتداء أقنعة تخفي وجوههم”.

ويتهم السكان أبناء قرية ألبو بالي الشيعية القريبة بتنفيذ الهجوم انتقاما بعد أن قتل تنظيم الدولة الإسلامية تسعة منهم في ديسمبر. ويقولون إن الجناة ينتمون إلى ميليشيات محلية تستعمل أسلحة قدمتها لها الدولة. ورفض مسؤولون أمنيون تابعون للجماعات المسلحة التعليق.

ورُفعت لافتات تدعو إلى سفك دماء المهاجمين على جدران قرية الجلايلة بينما يبقى أقارب حسين ميثم أقل استعدادا للتعبير عن شكوكهم حول من قتل أفراد عائلاتهم الشيعية.

وقال جدّه الشيخ مصطفى من منزله بينما كان محاطا بالضيوف الذين زاروه لتقديم واجب العزاء إن “الله وحده هو من يعلم من كان وراء هذا الهجوم”. ووصف المهاجمين بالإرهابيين.

ودعا القيادي المحلي لقبيلة بني تميم البارزة في ديالى الشيخ مصطفى إلى التزام الهدوء. لكن أفراد القبيلة يقولون إن أسلحتهم جاهزة إذا لم تسلّم السلطات المهاجمين للعدالة.

وزار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ديالى بعد أيام من الهجوم وأرسل تعزيزات عسكرية إلى المنطقة.

واعتُقل أفراد بتهم تتعلق بالإرهاب وتم الكشف عن مخابئ أسلحة من بينها قذائف هاون وصواريخ وذخائر، حسب خلية الإعلام الأمنية.

وقال الشيخ ماهر، وهو قريب آخر لعائلة حسين وأحد شيوخ القبيلة البارزين، “نحن نلوم قوات الأمن وأعضاء الحكومة لأن عليهم تأمين المنطقة. إنها مسؤوليتهم”. كما اتهم “الأيادي الأجنبية” التي يرى أنها “تحاول إعادة محافظتنا إلى أيام الطائفية والفوضى”.

وقال مسؤول أمني إقليمي، تحدث إلى وكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه ليس مخول له إطلاع وسائل الإعلام على تفاصيل الوضع، إن “ما يحدث في ديالى ليس إرهابا فقط، ولكنه صراع على النفوذ بين الفصائل المسلحة المرتبطة بكتل سياسية”.

وذكر الخبراء أن الانقسامات توسعت داخل عشيرة بني تميم بين فصائل تختلف في دعمها للقوى المتنافسة في منظمة بدر، وحركة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وميليشيا عصائب أهل الحق الموالية لإيران. وأكّد المسؤول وجود صراع داخل العشيرة على السلطة والمناصب المهمة.

وقال المحلل العراقي تامر بدوي، وهو باحث دكتوراه ومدرّس مساعد في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة كنت في المملكة المتحدة، إن “الجماعات المسلحة تشن هجمات لزعزعة استقرار المنطقة وتقويض الحملة التي تشنها الحكومة ضد شبكات التهريب التي تديرها منذ سنوات”.

وأكد المسؤول الأمني ارتفاع نسب الجريمة بعد حملة مكافحة التهريب، وتشمل القتل والاختطاف للمطالبة بفدية.

ويقول سكان ديالى إنهم يشعرون بعدم الأمان بغض النظر عن أسباب الهجوم، ويعتبرون السلطات العراقية مسؤولة لسماحها بحدوث مثل هذه الهجمات. وقال العزاوي إن “الأمر لا يتعلق بالعشائر أو الطائفية، إنه إرهاب”.