فشل الدبيبة في تبديد التوافق على تغييره يدفعه إلى التلويح بالعنف

الدبيبة يحوّل مشروعه للبقاء في السلطة إلى تخويف من الحرب

يعيش رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة حالة من الارتباك والإحساس بالعزلة، ويحاول الآن الضغط للبقاء في السلطة من خلال التلويح بالحرب وهو ما ينسف ما روجه عن نفسه خلال الفترة الماضية من أنه "رجل سلام".

الدبيبة وفيّ لتاريخ من سبقه من زعماء الصراعات في ليبيا

طرابلس

 حول رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة مشروعه الشخصي للبقاء في السلطة إلى تخويف من اندلاع حرب جديدة، ما يعني أنه لن يسلم السلطة ولو كلفه الأمر إدخال البلاد في حالة اقتتال، وهو ما يتناقض مع الشعار الذي يرفعه منذ وصوله إلى السلطة قبل سنة والذي يفيد بأن هدفه هو تحويل "خيم العزاء إلى خيم أفراح".

وجدد الدبيبة مساء الاثنين تمسكه بالسلطة وقال إن المسار الذي يتبناه البرلمان يهدد بإعادة البلاد إلى الانقسام وسيؤدي حتما إلى الحرب مرة أخرى.

وعرض الدبيبة خارطة طريق تنص على إجراء انتخابات برلمانية في يونيو المقبل في حين يتم تأجيل الرئاسية، في محاولة لعرقلة تشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.

ومنذ وصوله إلى السلطة حرص الدبيبة على إظهار نفسه كرجل سلام لكن إصراره على الدخول في خلافات مع الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر والبرلمان شكك في نواياه وعرّضه لاتهامات بالسعي لإدامة الانقسام.

وحاول الدبيبة خلال الفترة الماضية الضغط عن طريق مجلس الدولة لتبديد التوافق الداخلي على تغيير حكومته، وهو ما دفع رئيس المجلس خالد المشري إلى إصدار بيان الأسبوع الماضي دعا فيه البرلمان إلى التنسيق بشكل أكبر بشأن مستقبل العملية السياسية، وهو ما اعتبر تراجعا من المشري الذي سبق أن أكد أن تكليف باشاغا خطوة سليمة وقانونية.

ولا يستبعد مراقبون أن يكون المشري قد تعرض لضغوط من قبل بعض أعضاء المجلس الذين سبق أن التقاهم الدبيبة قبل يومين من تكليف باشاغا.

ويرى هؤلاء المراقبون أن عدم إتْباع ذلك البيان بقرار فعلي يحدد موقف مجلس الدولة يؤكد أنه ماض في دعم تغيير الحكومة، لاسيما بعد أن أعلنت عدة دول دعمها لتغيير الدبيبة في حين أبدت دول أخرى -على رأسها تركيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز- حيادا اعتبر بمثابة ضوء أخضر لباشاغا.

وتعكس تصريحات الدبيبة، التي سبقتها تصريحات الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة التي اتهم فيها ويليامز بالانحياز، حالة الارتباك والإحساس بالعزلة.

وكان الدبيبة ينتظر على الأقل دعما تركيا واضحا من قبل حليفته تركيا لكن رئيسها رجب طيب أردوغان قال إنه تربطه بالدبيبة وباشاغا علاقات جيدة، كما أن بريطانيا -التي سبق أن أعلنت أواخر ديسمبر رفضها تشكيل "حكومة موازية"- تلتزم الصمت.

وفي المقابل أعلنت روسيا ومصر دعمهما لتشكيل حكومة جديدة في حين يرجح مراقبون أن تكون فرنسا داعمة للخطوة أيضا.

وعاد الدبيبة ليثير مخاوف اندلاع حرب مجددا وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة هذه المرة حيث حرص خلال مشاركته في القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز والتي تستضيفها الدوحة على إبراز دور الصراع المسلح في تراجع إنتاج ليبيا من النفط والغاز.

وقال "إن الأوضاع في بلاده خلال السنوات الماضية أثرت بشكل مباشر على البنية التحتية لقطاع النفط والغاز".

ويقول مراقبون إن موازين القوى تميل لصالح باشاغا، وهو ما يعزز التكهنات بأن التلويح بالحرب ليس سوى ورقة ضغط بيد الدبيبة الذي لن يجرؤ على خوض معركة يدرك أنه سيخرج منها خاسرا.

ويقول هؤلاء "بعد تأييد الجيش لباشاغا، والعشرات من الكتائب المسلحة في الغرب، فإن ميزان القوى العسكري يميل لصالحه، وإن كانت الكتلة الأكبر من الجيش في الغرب والكتائب المساندة له تدعم الدبيبة".

ويكاد يكون باشاغا حاليا الشخصية الوحيدة التي يمكنها أن تزور جميع المدن الليبية بفضل الدعم الذي يقدمه له حفتر، في حين أعاق الأخير زيارة الدبيبة إلى مدينة بنغازي وعدة مدن أخرى في الشرق والجنوب تقع تحت سيطرته، باستثناء طبرق، حتى قبل تكليف باشاغا بتشكيل الحكومة في العاشر من فبراير الجاري.

ورغم هذا الدعم العسكري شرقا وغربا فإن باشاغا معروف عنه أنه لا يفضل أسلوب المغالبة المسلحة إلا بعد استنفاد كل السبل السلمية، لذلك كثف في الفترة الأخيرة الزيارات إلى المدن الليبية للقاء أعيانها وإقناعهم بوجهة نظره.

وخلال الاحتفالات بذكرى الثورة التقى باشاغا عددا من أعيان مصراتة، في تجمع شعبي حضره العشرات، وفي نفس اليوم توجه الدبيبة إلى نفس المدينة التي ينحدر منها الرجلان، والتقى أنصاره وأبناء عشيرته دون أن يحدث أي صدام بين أنصارهما.

لكن المعركة الحاسمة التي يستعد باشاغا لخوضها هي إقناع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشرعية الحكومة التي كُلف بتشكيلها، وذلك بـ"التوافق" بين مجلسي النواب والدولة.

وينظر إلى لقاء باشاغا وستيفاني ويليامز على أنه خطوة في سبيل تحقيق هذا الهدف، خاصة بعد أن تحدثت عن ضرورة “المضي قُدمًا” بطريقة شفافة وتوافقية دون أي إقصاء.

واعتبر هذا التصريح دعما من ويليامز لباشاغا، وهو دفع حكومة الوحدة إلى اتهامها بـ”التحيز”، الأمر الذي اعترضت عليه السفارة الأميركية التي أوضحت أن نهج المستشارة الخاصة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إزاء الظروف الحالية "كان متسقا مع المبادئ الأساسية لقرارات مجلس الأمن الدولي، ونتائج الاجتماعات الدولية بشأن ليبيا".

ورغم أن المجتمع الدولي مازال يعترف بحكومة الدبيبة فإن حديث ويليامز عن ضرورة "المضي قُدما" يُشكل خطوة مهمة نحو انتزاع الاعتراف الدولي بعد تشكيل حكومته واعتمادها من مجلس النواب، خاصة وأنه حظي بدعم دولة إقليمية بحجم مصر، ودولة كبرى تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن بحجم روسيا.