حزب "جيل جديد" يوزع انتقاداته على السلطة والمعارضة معا

الإدارة الأمنية في الجزائر تخرج الأحزاب من قوقعتها تباعا

امتعاض من الفشل في تحقيق مطالب الحراك الشعبي

الجزائر

 انضم حزب “جيل جديد” إلى لائحة القوى السياسية الغاضبة من خيارات السلطة، لاسيما في جوانبها السياسية والاجتماعية، فرغم دعمه للرئيس عبدالمجيد تبون، ودخوله في حالة استقطاب مع القوى الراديكالية الداعية إلى التغيير الشامل في البلاد، إلا أن الحزب أعرب في آخر موقف له عن امتعاضه من الفشل في تلبية مطلب التغيير وتحقيق مطالب الحراك الشعبي الذي يحيي اليوم ذكراه الثالثة.

ووجه حزب جيل جديد، انتقادات شديدة للسلطة في آخر موقف سياسي له، توج دورة المجلس الوطني المنعقدة في العاصمة من أجل تحضير مؤتمر الحزب، ورغم أن الحزب دخل في تحالف مع الرئيس تبون، منذ انتخابه رئيسا للدولة في انتخابات ديسمبر 2019، إلا أن البيان، الذي حازت “العرب” على نسخة منه، يوحي بأن الطبقة السياسية بدأت تنكث هدنتها مع السلطة بما فيها تلك التي توصف بـ”المعتدلة”.

وقال الحزب إن “الإدارة الأمنية الحصرية للأزمة التي يمر بها المجتمع الجزائري لا يمكن أن تكون حلا طويل الأمد، إذا كان قمع التجاوزات سلاحا مشروعا، فإنه يظل غير كاف ولا يمكن أن يعوض غياب عمل سياسي نوعي، كما أن السجن الممنهج والوقائي للنشطاء، والكثير منهم بعيدون عن تشكيل خطر على النظام العام بالرغم من وجود تجاوزات مؤكدة، يزيد من انعدام الثقة الشعبية، الذي يرجع في جزء كبير منه إلى غياب التواصل الواضح بشأن ملفات المعتقلين”.

ويبدو أن مسألة القبضة الأمنية التي تديرها السلطة في تسيير شؤون البلاد، بدأت تلقي ارتدادات سلبية على معسكرها السياسي، في ظل الامتعاض المتتابع للقوى الحزبية الموصوفة بـ”المعتدلة” على غرار “حركة مجتمع السلم” الإخوانية، و”جيل جديد” العلماني، خاصة بعد دخول العشرات من المساجين في إضراب جوع جماعي داخل المؤسسات العقابية، في حين لا زالت السلطة تصر على نفي وجود سجناء رأي، حسب آخر تصريح للرئيس عبدالمجيد تبون.

وذكر بيان الحزب، بأنه “رغم تقديمها باسم الشعب، لا تبدو العدالة مهتمة كثيرا بما قد يفكر فيه الجزائريون بشأن أسباب الأحكام التي تصدرها، وكثيرا ما تكون ثقيلة جدا على ضوء التهم الرسمية، في حين أن الأنجع هو أن يكون الحليف الأول للدولة هو ذلك المواطن الواعي والمطلع على الحقيقة كاملة، لكن يبدو أن السلطة تعتقد عكس هذا، وانعكاسها الغريزي للحماية والسيطرة والأمن، يشكل سدا منيعا على كل انفتاح حيوي وكل كفاءة صادقة وكل ابتكار منشط لجسد الدولة”.

وكان الحزب قد دخل في صراع مع المعارضة الإسلامية، بعد إجهاضها لما كان يعرف بـ”تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي”، ولم يتوان بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في توجيه انتقادات لاذعة للمعارضة الراديكالية، واتهمها بـ”العبثية” و”العدمية”، و”السير في مسلك يؤدي إلى تحطيم الدولة”.

ويبدو أن الحزب لا يزال محافظا على خطه، بحصره احتجاجات الحراك الشعبي في مطلب إسقاط ما كان يعرف بـ”العهدة الخامسة” للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث ذكر في بيانه، بأن “الجزائريين كانوا يأملون بعد سقوط نظام بوتفليقة، في حدوث تغيير كبير في الطبقة السياسية وإعادة تشكيل النظام لصالح الانفتاح الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي، لكن تطرف بعض الفاعلين السياسيين، أعطى السلطة كامل الذرائع لفرض نفس الوضع السابق”.

وأضاف “حالة الحيرة الشاملة للرأي العام وانعدام ثقته في الطبقة السياسية، والتشويش الإعلامي المتعمّد والمتواصل، أدى إلى تحييد مشاركة المواطنين وسمح للأجهزة القديمة وشبكات المصالح الوطنية والمحلية بفرض نفسها في انتخابات أرِيد أن تكون نزيهة، لكن للأسف تغلبت قوة الجمود على رغبة التغيير”.

ولفت إلى أن “الصعوبات التي تواجهها البلاد في مواجهة الضغوط الخارجية المختلفة وعدم الاستقرار الجيوسياسي يجب أن تشجع على حوار داخلي، وعلى تحديد رؤية عملية ومحمّسة للمستقبل، وعلى انفتاح اقتصادي مؤسس على مبادئ القانون والشفافية وتشجيع المبادرة، الثقة، الأمل، والأمن، لأنها عوامل أساسية لتحقيق هذا، لأنه من غير الممكن ولا المنطقي التماس التغلب على عجز وفشل الأداء الاقتصادي والتجاري الناجم عن بيروقراطية مهيمنة وفاسدة في الكثير من الأحيان من خلال اللجوء إلى المزيد من البيروقراطية والتدخل الرث من جانب بعض المسؤولين التنفيذيين”.

وحصل حزب جيل جديد، الذي شارك في مختلف الاستحقاقات الانتخابية المنتظمة في إطار تجديد مؤسسات الدولة، على وعاء انتخابي محدود، يحاول من خلال موقفه الجديد رسم موقع له على ما يبدو بين السلطة وبين المعارضة، فلا هو تماهى مع الأولى كما تفعل القوى التقليدية ولا هو تبنى خطاب المعارضة المعروفة، واكتفى بتوجيه انتقاداته إلى الطرفين معا، وكما اتهم الأخيرة بالسير في خط تكسير الدولة، أعاب على السلطة التضييق السياسي والإعلامي الممنهج، والمقاربة الأمنية في التعاطي مع الناشطين والمعارضين.