الفصل بين الجنسين وتغيير المناهج التعليمية مشروع أردوغان لأسلمة المجتمع التركي

تهديد القومية الإسلامية يُخيّم على النساء في تركيا

شهدت تركيا خلال تسعة عشر عاما من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي تراجعا مطردا في حقوق النساء قوض ما بنته الدولة العلمانية، إذ باتت القومية الإسلامية التي يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتكريسها تخيّم على النساء في تركيا.

حقوق المرأة تراجعت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم

باريس

تثير مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المناوئة لحقوق المرأة التي اكتسبتها على امتداد حقبة الرئيس المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، قلقا بالغا في صفوف نساء تركيا والمنظمات الدولية المعنية بحقوق النساء.

وتراجعت حقوق المرأة التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم في تركيا منذ تسعة عشر عاما، لكن انسحاب أنقرة مؤخرا من أول اتفاق في العالم لمكافحة العنف ضد المرأة (معاهدة إسطنبول) فاقم المخاوف من انتهاك المبادئ العلمانية لتركيا وتقييد الحريات المدنية للمرأة.

وترى آزاده كيان، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة باريس السابعة، ومديرة مركز التدريس والتوثيق والبحث للدراسات النسوية، أنّ مواقف أردوغان ضد المرأة تدعو للقلق.

وقالت مؤلفة كتاب النساء والقوة في الإسلام، إنه في تركيا “تشهد حقوق المرأة تراجعا حادا”، مشيرة إلى أن العديد من النساء في تركيا يشعرن بالحنين إلى القرن الماضي.

وذكرت كيان أنه عندما تولى مصطفى كمال أتاتورك السلطة في عام 1923، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، أرادت الأيديولوجيا القومية للجمهورية التركية الجديدة أن تجعل المرأة ضمن إصلاحاتها، وذلك عبر إلغاء تعدد الزوجات في القانون المدني، والحق في التصويت (1934)، والتخلي عن الحجاب، في إشارة إلى رغبة العديد من النساء في تركيا بالعودة إلى الماضي الذي كان يُتيح لهنّ حرية أكبر بكثير.

وتخشى النساء التركيات من أن تسوء أحوالهنّ، منذ انسحاب بلادهن من اتفاقية إسطنبول في يوليو الماضي، وهي معاهدة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان ضد العنف ضد المرأة، إذ يشعرن بأنهن أكثر ضعفا وبأنهن غير محميات قانونيا منذ الانسحاب.

والعام الماضي سحب أردوغان تركيا من اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، المعروفة باسم اتفاقية إسطنبول.

وجاءت هذه الخطوة بعد نقاش استمر لأشهر حول ما إذا كان ينبغي على تركيا الانسحاب، حيث عارضت الجماعات المحافظة والإسلامية الموالية للحكومة الاتفاقية، قائلة إنها تقوض قيم الأسرة التركية وتروج للمثلية الجنسية.

وأدت خطوة أردوغان إلى أشهر من المظاهرات من قبل الآلاف من النساء، وتلقى مجلس الدولة العديد من الطعون القانونية لتعليق أمر الرئيس. وجاءت الطعون، التي رُفضت جميعها منذ ذلك الحين، من أحزاب المعارضة ونقابات المحامين والمنظمات النسائية.

وتم الانتهاء من الانسحاب اعتبارا من يوليو، مما أثار انتقادات شديدة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكانت تركيا أول دولة موقعة على الاتفاقية في عام 2011.

وحاول نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي تبرير قرار الانسحاب بالقول إن بلاده مصممة على الارتقاء بمكانة المرأة التركية في المجتمع مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي دون الحاجة إلى تقليد الآخرين.

ويقول مراقبون إن المبررات التي تطرحها السلطات التركية غير مقنعة، فالدفاع عن حقوق المرأة ومنع تعنيفها هما من القيم الكونية التي تتشارك فيها الإنسانية ولا دخل للعادات والتقاليد في مثل تلك الممارسات.

وترى ناشطات نسويات في تركيا أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم ينظر إلى النساء من زاوية دينية ويضعهن في مرتبة أقل من الرجال.

ويقول هؤلاء إن جزءا كبيرا من المسؤولية عن حدوث ذلك يقع على عاتق الحكومة الإسلامية المحافظة وعلى الرئيس أردوغان، الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن آرائه الصادمة تجاه المرأة.

وقالت المحامية هوليا غولبهار التي تتولى الدفاع عن قضايا المرأة إن “الحكومة دأبت على إطلاق تصريحات دعائية مثل ‘النساء والرجال مختلفون بطبيعتهم’ أو ‘الأمومة هي دور مقدس للنساء’، ولذا فإننا نواجه عنفا سياسيا هنا”.

ويؤكد الأتراك المناضلون من أجل المساواة بين الجنسين أن المحاكم كثيرا ما تنحاز ضد النساء، إذ بإمكان القضاة تقليص الأحكام ضد القتلة والمعتدين بناء على تقديرهم الخاص، مثلا عندما يبرّر رجل عنفه بالادعاء أن زوجته كانت تخونه أو كانت تلبس بطريقة غير لائقة أو إذا كان سلوكه جيدا في قاعة المحكمة.

وتشكل ظاهرة العنف ضد المرأة واحدة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي لا يزال المجتمع التركي يرزح تحتها، في ظل تشريعات غائبة تحميهن من ذلك الوباء الاجتماعي الفتاك.

ولا تحتفظ تركيا بإحصاءات رسمية لقتل النساء وهو ما يشير حسب مراقبين إلى أن الحكومة متورطة في التغطية على هذه الظاهرة المقلقة في المجتمع التركي.

وقُتلت 408 نساء على الأقل في تركيا في عام 2020 وفقا لمبادرة “ذا كاونتر مونيومنت” وهي مبادرة تحتفظ بسجل لقتل النساء يعود إلى عام 2008، مع تسجيل 67 حالة وفاة أخرى منذ بداية العام. يحدث هذا وسط إصدار تقارير يومية عن حالات عنف ضد النساء في جميع أنحاء البلاد.

والعام الماضي، بدأت تركيا العمل لتأسيس أول جامعة نسائية في البلاد. ويرى مراقبون في الفصل بين الجنسين في الجامعات استهدافا ممنهجا من قبل الحزب الإسلامي الحاكم لعلمانية الدولة ونظام التعليم التركي، الذي أصبح أكثر انغلاقا وأقل انفتاحا منذ تولي العدالة والتنمية الحكم قبل 19 عاما.

وعلقت النائب المعارضة أيلين نازلياكا، بالقول إنّ رغبة الرئيس التركي بتخصيص جامعات للنساء فقط، هي جزء من محاولة الحكومة لتكوين نساء متعلمات لكن مطيعات.

وقالت مسؤولة حزب الشعب الجمهوري إنه من غير المقبول إرجاع تركيا إلى نظام جامعات للنساء فقط، والذي يتخلف 50 عاما في هذا القطاع.

وأثارت حكومة أردوغان ذات الجذور الإسلامية الغضب لانتهاكها المبادئ العلمانية لتركيا وتقييد الحريات المدنية للمرأة، بعد أن دعت إلى أن يكون لكل امرأة في البلاد ما لا يقل عن ثلاثة أطفال واقترحت قيودا على حقوق الإجهاض.

وتقول ألكسندرا دي كرامر، صحافية مقيمة في إسطنبول “لن يغفل أي مراقب بأن حقوق المرأة باتت في خطر، وإن إنشاء جامعة للنساء فقط لن يؤدي إلا إلى تعزيز هذا التوجه وبدلا من إظهار مدى الرغبة في النهوض بالمرأة، فإن فكرة المؤسسات المنفصلة المخصصة للنساء فقط لن تعدو كونها محاولة للإنقاص من مكانة المرأة كمواطنة”.

واتخذ أردوغان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، فالكثير من المناهج الجديدة تُغير لدى الطلاب، منذ سنواتهم الأولى في المدرسة، العديد من المفاهيم التي تأسست عليها الدولة التركية العلمانية ومن أهمها النظرة للمرأة ولمفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط ما من شأنه أن يصنع أجيالا منغلقة تتمحور ثقافتها حول مبادئ الحزب الحاكم.