عمان تراجع "وسطيتها" السياسية تحت وطأة النفط وكورونا

الأبواب مفتوحة للتغيير
رجحت مصادر سياسية واقتصادية قيام سلطنة عمان بمراجعة سياستها الخارجية المبنية على الوسطية في علاقتها مع دول المنطقة، تحت وطأة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة بسبب انهيار أسعار النفط والأزمات المترتبة على انتشار وباء فايروس كورونا.
وتوقع محللون سياسيون غربيون تنازل السلطنة عن سياستها الخارجية المعهودة التي لا تتوافق عادة مع دول الخليج العربي، خصوصا ما يتعلق منها بالموقف من إيران.
ويواجه السلطان هيثم بن طارق منذ تسلمه المنصب بداية شهر يناير الماضي خلفا للسلطان قابوس بن سعيد، تحديات اقتصادية كبيرة، خصوصا وأن بلاده تعد أحد أكثر الاقتصاديات هشاشةً في دول مجلس التعاون الخليجي، قبل أزمة كورونا وانهيار أسعار النفط.
وترتفع بسرعة نسبة الدين العماني إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي قدّره صندوق النقد الدولي بنسبة 59.8 في المئة في عام 2019. بينما كان في عام 2014 أقل من 5 في المئة.
وبينما يستقر السلطان الجديد في منصبه، يجد بلاده غارقة في الخسائر والأضرار الجانبية، ومتورطة في خلاف بين دول أعضاء منظمة أوبك، مع أن السلطنة ليست عضوا في هذه المنظمة، ثم الانهيار الاقتصادي العالمي الناجم عن أزمة انتشار فايروس كورونا.
وفي الوقت الذي يمكن فيه لدولة مثل البحرين أن تعتمد على السعودية والإمارات للحفاظ على مواردها المالية المتعثرة، فإن الشيء نفسه لا ينطبق على عُمان، بسبب المسار السياسي المستقل الذي وضعه السلطان قابوس وقاد بلاده طوال أربعة عقود وأعلن خليفته السلطان هيثم المضي بنفس المسار.
وفي عالم مُصاب بفايروس كورونا، يجادل خبراء وسياسيون بأن مسقط كانت وستبقى من نواح عديدة تدير استراتيجية مثيرة سمحت لها بلعب دور وسيط على جبهات عديدة من النزاع العربي الإسرائيلي إلى التوترات الغربية مع إيران والحرب في اليمن.
ومثل رفض عُمان الانضمام إلى التحالف العربي لمواجهة استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، موقفا مزعجا بشدة للرياض وأبوظبي، كما كان رفضهم عام 2017 للانضمام إلى دول المقاطعة لقطر من أجل إرغام الدوحة على التراجع عن مواقفها في دعم الإخوان والتوقف عن التدخل في شؤون دول الجوار.
وسبق أن فسر الأمين العام لوزارة الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، فلسفة بلاده الوسطية أنها تستند إلى فهم مصالح الدول الأخرى بدلاً من النظر إلى تمديد مصالح عُمان بصورة كبيرة.
وقال إنه يرى الآخرين “كأننا نضع أنفسنا مكانهم، لنرى العالم من خلال عيونهم”.
لكنّ مراقبين يرون أن هذا المنطق الدبلوماسي “ساذج” في عالم حافل بالاستقطابات، وأن من الصعب أن تستمر عُمان بلعب دور “الوسطية”.
وتمتلك عُمان، مثل جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى، مجتمعا شابا وتتزايد نسبة الشباب فيه بشكل ملحوظ (متوسط العمر 30.6 سنة). ويدخل حوالي خمسين ألف عماني شاب بمجال القوى العاملة كل عام. وتم تصميم استراتيجية “رؤية 2040″، التي تم الكشف عنها في عام 2018، لتمكين وتنويع القطاع الخاص وبالتالي خلق فرص عمل للشباب مع تقليل فاتورة أجور القطاع العام الثقيلة في نفس الوقت.
واليوم تحتاج عمان من أجل المضيّ قدما في خططها الطموحة، إلى الاقتراض بشكل كبير من الأسواق الخارجية.
وقال جون سفاكياناكيس، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس “المستثمرون على استعداد لإقراض عُمان، لكن السلطنة تدفع مقابل ذلك من خلال زيادة ارتفاع الفروق بسبب المخاطر التي تضعها الأسواق على ارتفاع صورة الديون في البلاد”.
وعرض سفاكياناكيس مثالا عن تمتع عُمان بتصنيف ائتماني سيادي أعلى من البحرين، إلا أن الأسواق تدرك مخاطر هذا الموقف الائتماني، مما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة.
واتسعت هذه الفروق مع ازدياد أزمة كورونا وتصاعد الخلاف السعودي الروسي بشأن تخفيض الإنتاج ومعركة أسعار مستمرة وصل فيها سعر خام برنت إلى 23 دولارا بعد أن كان 65 دولارا.
وعبرت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للبحوث الاقتصادية في آخر تقرير لها عن الشرق الأوسط عن قلقها بشأن سلطنة عمان ووضع المستثمرين فيها، بعد اتساع فروق السندات بالدولار أكثر من أيّ دولة أخرى من دول الخليج العربي.
وجادل جيسون توفي أحد كبار الخبراء الاقتصاديين في الأسواق الناشئة بأن الوضع في عُمان يستدعي توضيح عروض التمويل.
وقال توفي في تقرير مؤسسة كابيتال إيكونوميكس “البديل هو دورة تحقق ذاتها حيث الخوف من تخفيض قيمة العملة يحفّز من هروب رأس المال وتخفيض أسرع لمدخرات النقد الأجنبي، مع ترك السلطات دون خيار سوى ترك الريال يضعف”.
وأشار إلى أن رفع قيمة العملة العمانية من شأنه أن يرفع تكلفة خدمة ديون الحكومة للعملات الأجنبية، ويزيد من فرص التخلف عن السداد.