قوى عراقية تحاول تثبيت رئيس الوزراء المستقيل في منصبه

ما تريده الأحزاب يرفضه الشارع

بغداد

 قالت مصادر سياسية في بغداد إنّ خيار الإبقاء على رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي في مهامه على رأس الحكومة، بات مطروحا بقوّة، موضّحة أنّ أربعة أطراف شيعية موالية لإيران شرعت فعلا في العمل بشكل منسّق على تنفيذ هذا الخيار، وأنّ ذريعتها الأساسية في ذلك أنّ البلاد تمر بحالة طوارئ بسبب تزايد عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا وتسجيل أربع وفيات.

وجاء ذلك، بحسب المصادر ذاتها، بعد أن استشعرت طهران وحلفاؤها في العراق وجود خطر حقيقي يهدّد النظام العراقي بشكل غير مسبوق بفعل الانتفاضة الشعبية المتواصلة منذ أكثر من خمسة أشهر، في ظلّ مخاوف من أزمة اقتصادية ومالية قد يضاعف من حدّتها تعطّل الكثير من الأنشطة والمرافق بسبب انتشار الفايروس الذي لا يمتلك العراق وسائل التصدّي له نظرا لضعف قطاعه الصحّي الذي يعاني تبعات الفساد المالي والإداري المنتشر في مختلف مفاصل الدولة.

ولفتت المصادر إلى أنّ الأطراف الشيعية المتبنية لخيار الإبقاء على عبدالمهدي في منصبه تأمل في استغلال انشغال الشارع العراقي بالمخاوف من تفشي فايروس كورونا، وإمكانية تأثير ذلك على زخم الاحتجاجات، لتمرير خيارها الذي يفتقر إلى المسوّغ القانوني والدستوري.

والقوى الشيعية التي تدعم بقاء عبدالمهدي هي منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إضافة إلى مجموعة من الميليشيات والجماعات المسلحة، بينها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

وكان عادل عبدالمهدي الذي تقدّم في ديسمبر الماضي باستقالته تحت ضغط الشارع المنتفض ضدّ الفساد وتردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، قد ترك الباب مواربا بشأن مواصلة مهامه، بعد فشل وزير الاتصالات الأسبق محمّد توفيق علاوي في تشكيل حكومة جديدة بسبب عدم توافق الأحزاب على تشكيلته المقترحة.

وأعلن عبدالمهدي في رسالة وجّهها إلى رئيس الدولة برهم صالح لجوءه إلى مسوّغ “الغياب الطوعي” عن منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال استنادا إلى مادّة في دستور البلاد. ويعني ذلك عدم خلو المنصب وبالتالي قطع الطريق على تولي الرئيس مهامّ رئيس الوزراء.

ويفرض الغياب الطوعي تكليف أحد أعضاء الحكومة لينوب عن رئيس الوزراء في إدارة الشأن اليومي للبلاد، من دون أن يتمّ نقل صلاحيات القائد العام للقوات المسلّحة للنائب. وبذلك يحتفظ عبدالمهدي بهذا المنصب المهمّ في الدولة.

التقاء مصلحة قوى شيعية وسنية وكردية في التجديد لرئيس الوزراء المستقيل للحفاظ على حصصها في تشكيلته الوزارية

وتكشف المصادر أن خطة الإبقاء على عبدالمهدي تستند إلى حقيقة أن أبرز القوى السياسية السنية والكردية ليست لديها مشكلة مع بقاء الحكومة الحالية، بل لها مصلحة في ذلك لأنّها ممثلة فيها، ولأنها معنية بدرء شبح الانهيار عن النظام الذي تستفيد منه بشكل كبير.

وتقول المصادر إنّ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (سنّي) وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني (كردي)، قد يرحبان بالإبقاء على عبدالمهدي، بالنظر إلى أن ممثليهما يشغلون عددا من المناصب في حكومته.

وعندما كلف رئيس الجمهورية برهم صالح، محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة رفض الأخير منح مرشحي الحلبوسي والبارزاني وزارات، الأمر الذي عقّد مفاوضات تشكيل حكومته وأفضى لاحقا إلى اعتذاره عن مهمته بعد رفض البرلمان الانعقاد للتصويت على كابينته.

وتقول المصادر إنّ القوى السياسية الشيعية القريبة من إيران تلوّح لباقي الأطراف بورقة علاوي وتحذّرها من تكرارها، مخبرة إياها بأن الخيار الآمن هو الإبقاء على عبدالمهدي.

وكان المتحدث باسم كتائب حزب الله أبوعلي العسكري، وهو اسم حركي لشخصية غير معروفة، قال علنا إنّ الخيار الأمثل لإخراج البلاد من أزماتها، يتمثل في تجديد الثقة بعبدالمهدي، مشيرا إلى أن العقبة الوحيدة التي تعترض حدوث ذلك تتمثل في معارضة المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني.

وكان عبدالمهدي استقال من منصبه بعد أن قال مكتب السيستاني إن هذه الحكومة لا يمكن لها الاستمرار في مهامها بسبب تورطها في قتل المئات وجرح الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاح والتغيير.

ويقول المتحدث باسم الكتائب إنّ السيستاني يمكن أن يسحب اعتراضه، فيصبح التجديد لعبدالمهدي ممكنا، مشيرا إلى أن البديل هو “إحراق العراق” في حال تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة، متّهما إيّاه بالتورط في التخطيط لقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس مطلع العام الجاري في غارة أميركية قرب مطار بغداد.

وتوصف صيغة “الغياب الطوعي” التي لجأ إليها عبدالمهدي بالغامضة، ويقول رجال قانون إنّها تسمح له بالاحتفاظ بجميع صلاحياته من دون أن يظهر في جلسات مجلس الوزراء أو يذهب إلى مكتبه العسكري لمباشرة مهام القائد العام للقوات المسلحة.

ومع ذلك ظهر عبدالمهدي، الجمعة الماضية، في مدينة البصرة بجنوب العراق لمتابعة إجراءات فحص الوافدين من إيران للكشف عن فايروس كورونا. وعُدّ هذا الظهور إشارة استعداد من رئيس الوزراء المستقيل لممارسة عمله الطبيعي رئيسا للحكومة، في حال جدد البرلمان الثقة فيه.

وتقول المصادر إنّ الأطراف الشيعية الداعمة لخيار الإبقاء على عبدالمهدي تستخدم هذه الورقة كقاعدة لمناقشة جميع الخيارات الأخرى، لافتة إلى أن هذا الخيار يواجه معارضة شرسة من ائتلاف “سائرون” الذي يرعاه رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر وتحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم. وتوضّح أنّ الصدر يحاول الاستحواذ على منصب رئيس الوزراء عبر احتكار قدرة ترشيح الشخصيات له، بينما يعتقد العبادي والحكيم أن هذا الوضع قد يعمق أزمة الحكم الشيعي في العراق، وربما يتسبب في تقسيم البلاد.

وحتى آخر الأسبوع الماضي كانت المداولات الشيعية بشأن من سيكلّف بتشكيل حكومة جديدة محصورة بين علي الشكري مرشح تحالف الفتح ومصطفى الكاظمي الذي لم تتبن أي جهة ترشيحه.