القضية الفلسطينية
دحلان اليد الخفية لمسار السلام الجديد

لكل لاعب زمن
يضع مسار السلام الجديد في الشرق الأوسط، محمد دحلان، زعيم التيار الإصلاحي في حركة فتح تحت الأضواء، ليس فقط كمرشح بديل للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن أيضا لكون دحلان، الرجل الذي يحيط نفسه بالكثير من الأسرار، قد لعب دورا خفيا في الاتفاقيات التي تم توقيعها بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
واستفاد دحلان من علاقته الوثيقة مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، للمساعدة على تشكيل اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل ضد تطلّعات عبّاس.
وقال الأكاديمي الفلسطيني المنتقد لعباس، بشارة بحبح، والذي شارك في كتابة أعمدة الرأي مع مبعوث الرئيس الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، إن الشيخ محمد بن زايد “لن يفعل أيّ شيء تجاه الفلسطينيين دون التشاور مع دحلان، فهو مهم”.
ويشير جوناثان فيرزيغر في مقال لمجلة فورين بوليسي إلى أن صداقة دحلان مع الشيخ محمد بن زايد جعلت للقيادي الفلسطيني يدا مؤثرة في صياغة اتفاقيات إبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة ووقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين الشهر الماضي.
كما أنه يُعتبر مهندسا للموقف الإماراتي من وراء الكواليس، مقدما دعما للدولة الفلسطينية بينما يضغط على عباس البالغ من العمر 84 عاما ووضعه في مواقف محرجة، كما هو الحال عندما وجد الرئيس الفلسطيني نفسه مضطرا لرفض طائرتين تحملان الإمدادات الطبية لحفظ ماء الوجه لأن الإمارات سلمتها عبر مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب.
وأدى رفض عباس للمساعدة في أغسطس وإدانته الغاضبة لاتفاقات السلام باعتبارها “طعنة في الظهر” إلى نفور الحلفاء القدامى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تعدّ أكبر وأغنى دولة خليجية.
ويقول مراقبون إن الرئيس الفلسطيني أساء تقدير الظرفية السياسية التي تمرّ بها السلطة، وبدا وكأنه يريد أن يظهر كشخصية محورية لأيّ تحرك جديد من أجل السلام، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخرج السلام من دائرته الفلسطينية الإسرائيلية إلى فضاء أوسع، وترك الباب مواربا أمام عباس للّحاق بالمسار الجديد، ولكن دون شروط.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن دحلان يمتلك أوراقا متعددة ليكون عنصرا فاعلا في السلام الجديد، وبينها علاقته الجيدة مع الإمارات، وغياب أيّ فيتو إسرائيلي ضده، فضلا عن حضوره القويّ في الداخل الفلسطيني، وهو ما بدا من خلال فتح قنوات تواصل واتفاق مع حماس من خلال يحيى السنوار، القيادي المؤثر ورئيس مكتب الحركة في الداخل. كما أن زعيم التيار الإصلاحي في حركة فتح يمتلك علاقات مع جميع الأطراف وليس فقط حماس.
ويضاف إلى الاتفاق مع حماس وتبريد الخلافات القديمة بين الحركتين في القطاع عنصر قوة ثان لدحلان، وهو ثقل التيار الإصلاحي الذي يتزعمه في غزة. كما أن زوجته حشدت له قاعدة الدعم التي يحتاجها، من خلال زيارات خيرية دورية لغزة، تشمل تنظيم حفلات زفاف جماعية للفقراء الذين لا يستطيعون تحمُّل تكلفتها.
وبعد مسيرة متقلّبة في السياسة الفلسطينية من التودّد إلى واشنطن كخليفة محتمل للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ثم مغادرة الضفة الغربية، تعلَّم دحلان لعب الألعاب الطويلة للوصول إلى القمة.
وُلد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين المكتظ بالسكان في قطاع غزة، ونشأ كواحد من قادة الانتفاضة الفلسطينية الشباب في 1987، وتعلَّم العبرية خلال فترات قضّاها في السجون الإسرائيلية.
وبعد ترحيله، اكتسب دحلان ثقة عرفات كمساعد رئيسي عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. وعند عودتهم في 1993 مع اتفاقات أوسلو للسلام، قاد دحلان حركة فتح في غزة وقاد العمليات الأمنية هناك.
لكن، أثناء صعوده سلّم السلطة الفلسطينية اشتبك دحلان، بعد وفاة عرفات في 2004، مع عباس باستمرار فقد رأى عباس في دحلان منافسا طموحاً كان يجب أن يظل مقيّدا. وحمّل دحلان مسؤولية فشله في إخماد التمرد الذي سيطرت فيه حماس على غزة في 2007.
وبقي يتبادلان توجيه تهم الفساد لبعضهما البعض منذ سنوات، وهو ما أجّج الكراهية بينهما. في النهاية، لم تكن شعبية دحلان في الشارع كافية لحمايته من الشرطة ونظام العدالة الجنائية الذي يسيطر عليه عباس، ما دفعه نحو المنفى.
كما نجح زعيم التيار الإصلاحي في فتح بكسب قلوب الإدارات الأميركية المتعاقبة، بدءا من إدارة بيل كلينتون ثم جورج دبليو بوش والآن ترامب.
ويعتقد محللون أن صعود أسهم دحلان ستكون مرتبطة بما إذا كان ترامب سيفوز بولاية أخرى لمواصلة السلام الجديد ولحاق السلطة الفلسطينية بهذا المسار. كما أن الأمر سيظل مرتبطا بقدرة زعيم التيار الإصلاحي في فتح على تجاوز فكرة الانتقام من منافسيه القدامى ولعب دور ذكي في إلحاق الفلسطينيين بشرق أوسط سريع التحول.
ويشير هؤلاء المحللون إلى أن العلاقات الخارجية لدحلان قد لا تكفي لوحدها في منحه دورا جديدا إذ الأمر يصبح مرتهنا بعلاقاته الفلسطينية الداخلية بدءا بتجاوز مخلفات خلافاته مع عباس والمحيطين به في فتح، وكسر الصورة التي رسمت له داخل فتح نفسها كقيادي متمرّد.
يضاف إلى ذلك كله قدرته على استقطاب حماس والجهاد والقيادات الفلسطينية التابعة لفصائل مثل الجبهة الشعبية أو الديمقراطية لخلق مناخ متفائل بسلام على شاكلة المناخ الذي خلقه عرفات في فترة أوسلو. لكن كيف سيقدر على ذلك في ضوء حالة الاستقطاب الخارجية داخل الملعب الفلسطيني، وهل سيحصل دحلان على أوراق أميركية وإسرائيلية تعبّد أمامه طريق المقبولية الفلسطينية؟