الخلیج بوست
مهدي عقبائي كاتب إيراني - عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
(Mehdioghbai)
تشهد إيران اليوم واحدة من أكثر المراحل خطورة في تاريخ نظامها السياسي منذ عام 1979. فالتصدّعات التي أصابت قمة السلطة لم تعد مجرد خلافات داخلية، بل تحوّلت إلى شروخ تهدد بنيان النظام برمّته. وفي الوقت الذي يحاول فيه الولي الفقيه الحفاظ على تماسك هرم الحكم عبر الإعدامات والقمع، يتوسع الشارع في احتجاجاته، بينما تتهاوى أذرع النظام الإقليمية في لبنان والعراق واليمن، الأمر الذي يكشف حدود قدرة طهران على الاستمرار.
قمع بلا حدود وخوف من الذاكرة
يعتمد النظام الإيراني اليوم على سياسة القمع بأبشع صوره. فخلال العام الماضي فقط، تجاوز عدد الإعدامات المسجلة ألف حالة، في تصاعد خطير يهدف إلى بث الرعب في المجتمع. وصل الأمر إلى تنفيذ عمليات شنق علنية في الساحات العامة، وبثها عبر الإعلام الرسمي لزرع الخوف. لكن الأكثر دلالة هو مسعى السلطات لتدمير قبور شهداء مجزرة 1988، في إقرار ضمني بأن النظام يخشى حتى من ذاكرة الماضي، وأن أسماء الضحايا تشكل تهديدًا وجوديًا له.
انتفاضات شعبية تتجاوز المطالب المعيشية
رغم القمع، يواصل الشارع الإيراني التحرك. فقد بدأت التظاهرات بمطالب نقابية ومعيشية مرتبطة بالتضخم، وانقطاع الكهرباء والمياه، وارتفاع الأسعار، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى شعارات سياسية مباشرة ضد رأس النظام: «الموت لخامنئي»، «الموت للديكتاتور». في مدن كبرى مثل شيراز وكازرون، تتوسع رقعة الاحتجاجات لتكشف أن الخوف لم يعد يسيطر على الشارع، وأن المجتمع بات مستعدًا لدفع ثمن المواجهة.
الضغوط القصوى
مع اقتراب سبتمبر، يدخل النظام الإيراني مرحلة أشدّ تعقيدًا. فالتزامن بين الضغوط الدولية واحتمال تفعيل آلية "السناب باك" التي ستعيد العقوبات الأممية، وبين تصاعد الانتفاضات في الداخل، يجعل النظام أمام معادلة مستحيلة: إما تصعيد القمع حتى أقصى درجاته، أو مواجهة موجة احتجاجية لا يمكن السيطرة عليها. كلا الخيارين يهددان وجوده.
أزمات الداخل: بين الفقر والتضخم والانقسامات
إلى جانب القمع، يعيش الإيرانيون أزمات حياتية خانقة. التضخم قضى على القدرة الشرائية، انقطاع المياه والكهرباء صار مشهداً يومياً، والبطالة تحاصر ملايين الأسر. حتى رئيس النظام الجديد أقرّ قائلاً: «لدينا مشاكل في كل شيء». في مثل هذا السياق، لم يعد ممكنًا للنظام أن يصدّر أزماته إلى الخارج كما اعتاد لسنوات، وهو ما يضاعف هشاشته.
فشل الأذرع الإقليمية وانعكاساته
خارج حدود إيران، تتعرض الأذرع التابعة لها لضربات متتالية. في لبنان، يواجه حزب الله رفضاً شعبياً وسياسياً متصاعداً لمعادلة "السلاح خارج الدولة"، فيما لم يعد النظام قادراً على تمويله وتسليحه كما في السابق. في العراق، تنكشف محاولات الإبقاء على الحشد الشعبي وسط مقاومة داخلية متنامية، وفي اليمن تتراجع أوراق طهران مع تقدم الحكومة الشرعية. هذه الانتكاسات تعكس بوضوح ضعف النظام وعجزه عن فرض هيمنته الإقليمية، بعدما كان يستعرض نفوذه عبر هذه الأذرع.
أربع أزمات رئيسية تهدد بقاء النظام
يمكن تلخيص المشهد الإيراني اليوم في أربع أزمات متداخلة:
خطر الحرب: النظام يعيش هاجس مواجهة عسكرية ويستخدم التهديد كوسيلة للردع.
عودة العقوبات: احتمال تفعيل "السناب باك" يعمّق انهيار الاقتصاد.
الأزمات الاجتماعية: تضخم، فقر، بطالة، أزمات مياه وكهرباء بلا حلول.
الانقسامات الداخلية: صراع أجنحة السلطة بلغ مرحلة غير مسبوقة، حتى بين ما يسمّى بالإصلاحيين والمحافظين.
هذه العوامل تجعل النظام أكثر ضعفًا من أي وقت مضى، وتحوّل القمع من أداة قوة إلى علامة خوف.
نحو مرحلة جديدة
المعادلة اليوم باتت واضحة: كل إعدام وكل محاولة قمع تؤدي إلى إشعال شرارة احتجاج جديدة، وكل فشل خارجي يترجم بمزيد من الانقسامات في الداخل. إيران تقف أمام منعطف تاريخي، حيث لم يعد بإمكان النظام الاستمرار بالمعادلة القديمة التي اعتمدت على تصدير الأزمات وشراء الوقت. ومع بروز بديل ديمقراطي منظم في الداخل والخارج،المتمثل في المجلس الوطنيللمقاومة الإيرانیة تبدو أيام ولاية الفقيه معدودة.