التوافق الأولي حول ملف الذاكرة يضع الجزائر وفرنسا على سكة التطبيع

ملف الذاكرة المشتركة يزعج الطرفين

الجزائر

أفضى اجتماع اللجنة الجزائرية – الفرنسية المشتركة المختصة في ملف الذاكرة إلى حزمة من التوافقات بين الطرفين ستمهد لوضع علاقات البلدين على سكة التطبيع، طالما أن ملف التاريخ والذاكرة المشتركة ظل محل خلاف بينهما، وكثيرا ما تسبب في أزمات متنوعة، الأمر الذي رهن حظوظ العلاقات للخروج من مأزق الماضي إلى أفق المستقبل.

واتفق أعضاء لجنة الذاكرة المشكلة مناصفة من خمسة خبراء ومؤرخين من الجزائر وفرنسا على حزمة من المسائل المتعلقة بقضية التاريخ والذاكرة المشتركة التي خصها إعلان الجزائر المعلن العام 2021 بين الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بمهمة تسوية الملف العالق.

وذكر بيان للجنة أنه “تم الاتفاق على جملة من النقاط تتعلق على وجه الخصوص باسترجاع الأرشيف والممتلكات المنهوبة ورفات رجال المقاومة، وأن جدول الأعمال تضمن الأرشيف، البيبليوغرافيا، الكرونولوجيا، الممتلكات المنهوبة ومتفرقات”.

وأضاف “تم الاتفاق خلال هذا اللقاء، وهو الثالث بين الطرفين منذ تعيين اللجنة من طرف رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون العام 2022، على تسليم مليوني وثيقة مرقمنة خاصة بالفترة الاستعمارية، و29 لفة و13 سجلا، ما يشكل 5 أمتار من الأرشيف المتبقي الخاص بالفترة العثمانية، أي ما قبل العام 1830”.

وتابع “بخصوص البيبليوغرافيا، اتفق الجانبان على مواصلة إنجاز بيبليوغرافيا مشتركة للأبحاث والمصادر المطبوعة والمخطوطة عن القرن الـ19 من أجل نشر ورقمنة وترجمة الأهم منها إلى العربية والفرنسية والعمل على استرجاع ما يمكن استعادته، كما تم الاتفاق على مواصلة إنجاز كرونولوجيا الجرائم الاستعمارية خلال القرن الـ19”.

وبشأن الممتلكات المنهوبة، تم الاتفاق أيضا على “استرجاع كل الممتلكات التي ترمز إلى سيادة الدولة الخاصة بالأمير عبدالقادر وقادة المقاومة، وكذلك الجماجم المتبقية ومواصلة التعرف على الرفات التي تعود إلى القرن الـ19 مع إحصاء وجرد مقابر الأسرى والسجناء الجزائريين مع وضع قائمة إسمية”.

وهذه المرة الأولى في تاريخ البلدين التي يتم فيها فتح ملفات الذاكرة المشتركة التي ظلت محل تجاذب بين الطرفين منذ استقلال الجزائر عام 1962، وحالت دون إرساء علاقات ثنائية وبناء مصالح مشتركة مثمرة، ففيما ظلت النخب الفرنسية الحاكمة المتعاقبة تتجاهل ماضيها الاستعماري، ظل الجزائريون متمسكين بمطلب الاعتراف والاعتذار عن تلك الحقبة.

وكانت تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي في صيف العام 2021 شكك فيها “في الماضي التاريخي الجزائري” واتهم “السلطة بالاتجار بالملف، وبمحاصرة العسكر للرئيس تبون المنتخب” أثارت حينها أزمة دبلوماسية بين البلدين انتهت بسحب الجزائر لسفيرها في باريس، والدخول في قطيعة لم يتم تجاوزها إلا خلال الأسابيع الماضية.

وأكد بيان اللجنة أن الطرفين اتفقا على “تنفيذ برنامج تبادل وتعاون علمي يشمل بعثات طلابية وبحثية جزائرية إلى فرنسا وفرنسية إلى الجزائر للاطلاع على الأرشيف، مع رفع العراقيل الإدارية الفرنسية أمام الباحثين الجزائريين”.

ولفت إلى أن الجانبين اتفقا أيضا على “تنظيم فعاليات علمية مشتركة خلال السنة الجامعية 2024 – 2025 وفتح بوابة إلكترونية مشتركة خاصة بالفترة الاستعمارية (1830 – 1962) تكون بدايتها القرن الـ19، ومواصلة اللقاءات الدورية بين الطرفين”.

وفيما أشار البيان إلى أن اللقاء ساده نقاش علمي مسؤول، والاحترام المتبادل والإقرار العلمي بالواقع التاريخي الذي عاشته الجزائر تحت نير الاحتلال الفرنسي، والاعتراف بضرورة استرجاع الجزائر ما نهب منها خلال الفترة الاستعمارية، خاصة خلال القرن التاسع عشر الذي كان محل الحوار، لكنه لم يفصح عن طبيعة التكتم الذي ساد عمل اللجنة في بداية الأمر، وما يتردد عما يعرف بـ”مصير الممتلكات والعقارات التي يطالب الأقدام السوداء (الفرنسيون الذين ولدوا أو عاشوا في الجزائر) والملاك الفرنسيون باستعادتها من الجزائريين”.

ويواصل البلدان بحث إمكانية مراجعة اتفاقية العام 1968 الناظمة لحركة الأفراد والهجرة الجزائرية إلى فرنسا، ولا يستبعد أن تكون قد طرحت خلال الزيارة التي قادت وزير الداخلية جيرالد دارمانان خلال الأسابيع الماضية إلى الجزائر، خاصة وأن الفرنسيين لم يعودوا يخفون رغبتهم في إلغاء المزايا التي وفرتها الاتفاقية، وإدراج الهجرة الجزائرية كغيرها من الهجرات التي تقصد فرنسا.

وبعد أكثر من خمسة عقود، ورغم التعديلات الثلاثة التي أدخلت عليها الأعوام 1985 و1994 و2001، إلا أن جزءا من الطبقة السياسية الفرنسية يصر على اعتبار الاتفاق جزءا من الماضي، ويصنع فوارق اجتماعية في فرنسا بين الجزائريين وباقي المهاجرين من البلدان والجنسيات الأخرى.

ولعدة أشهر ظل اليمين المتطرف والجمهوريون وشخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب والسفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور يضغطون من أجل إلغاء النص بشكل واضح وبسيط، رغم الارتدادات الممكنة على اعتبار أن الجالية الجزائرية هي أكبر الجاليات المهاجرة في فرنسا.

وكانت المجموعة البرلمانية الجمهورية قد حركت المسعى من خلال طرح اقتراح لإصدار قرار غير ملزم يهدف إلى التنديد بالاتفاق، ومن المقرر أن تتم مناقشته في الجلسة العامة للجمعية الوطنية في السابع من شهر ديسمبر الجاري.

وتحسبا للمناقشة التي ستتزامن مع قانون الهجرة الجديد الذي اعتمده مجلس الشيوخ في القراءة الأولى في 14 نوفمبر الماضي، تلقى نواب المجموعة البرلمانية لحزب النهضة الرئاسي تعليمات واضحة بشأن الخط الذي يجب الدفاع عنه “لا إزالة للهجرة.. النص مجرد وعد بدراسة إمكانية التفاوض على تعديل رابع”.