هدنة الميليشيات تمنح السوداني فرصة التفاوض بشأن معضلة الدولار

كره شديد لأميركا.. وحب شديد لدولاراتها

بغداد

أثار دخول الفصائل الشيعية المشاركة في استهداف مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق في هدنة تلقائية الأسئلة عن دوافع الفصائل المعروفة بارتباطها الشديد بإيران، وإن كان للأخيرة دور في الهدنة المستمرّة منذ أيام وفق ما أعلنه الجانب الأميركي.

وجاءت الهدنة في وقت مناسب لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني التي دخلت في مفاوضات مع الجانب الأميركي سعيا لحل معضلة الدولار وتأثيراتها على قيمة العملة العراقية، بما لها من تبعات اقتصادية واجتماعية.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) باتريك رايدر إن القوات الأميركية في العراق وسوريا لم تتعرض لأي هجوم منذ الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري وهو تاريخ بدء سريان الهدنة المؤقتة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة.

ويعني تطابق تاريخ امتناع الفصائل عن استهداف القوات الأميركية مع تاريخ بدء الهدنة في غزةّ أن ذلك الاستهداف مرتبط فقط بالحرب في القطاع.

ورغم أن ذلك الارتباط معلن من قبل الميليشيات المنتمية إلى “محور المقاومة” على أساس أنّ ضرباتها تندرج ضمن التضامن مع غزّة وحركة حماس الفلسطينية، إلاّ أنّه لا يخلو من إشكال، إذ أن الميليشيات ذاتها وكذلك القوى السياسية العراقية ذات الصلة ربطت استهداف القوات الأميركية بالسعي إلى إخراجها من العراق.

ويتساءل مراقبون إن كان ما تسميه الميليشيات وكذلك سياسيون عراقيون شيعة “جهادا لطرد المحتل الأميركي” سيتوقّف بمجرّد انتهاء الحرب في غزّة.

ويرى هؤلاء أن ارتباط الميليشيات في العراق وعلى رأسها كتائب حزب الله التي برزت كرأس حربة في استهداف القوات الأميركية، بالحرس الثوري الإيراني، يجعل من المستبعد أن يكون قرارها بالتهدئة قرارا ذاتيا بمعزل عن طهران.

ويعتبر هؤلاء أن وراء هدنة الميليشيات رسالة تهدئة من قبل إيران للولايات المتّحدة بعد ما أظهرته الأخيرة من عزم على الرد بضرب الفصائل التي تستهدفها، وهو ما شرعت فيه بالفعل من خلال توجيهها ضربتين للفصائل أوقعتا في صفوفها عددا من القتلى والجرحى.

وسبق لكتائب حزب الله أن أعلنت قرارها بخفض وتيرة عملياتها العسكرية ضد القواعد الأميركية في المنطقة تزامنا مع الهدنة القائمة بين حماس والجيش الإسرائيلي.

وورد في بيان لزعيم الكتائب أبوحسين الحميداوي قوله “نعلن خفض وتيرة تصعيد العمليات على قواعد الاحتلال الأميركي في المنطقة، وإيقافها ضد الكيان الصهيوني إلى حين انتهاء مدة الهدنة، أو القتال في فلسطين وحدودها مع لبنان، ونؤكد أن المواجهات مع القوات المحتلة للعراق لن تتوقف إلا بتحريره، وهو قرار لن نحيد عنه مهما غلت التضحيات”.

وينتشر في العراق نحو 2500 عسكري أميركي موزعين على عدة مواقع أبرزها قاعدة حرير في أربيل وعين الأسد في الأنبار غرب العراق وفيكتوريا المحاذية لمطار بغداد.

ويوجد في تلك المواقع عسكريون أميركيون تقول الحكومتان الأميركية والعراقية إنّهم غير مقاتلين ويقتصر دورهم على تدريب القوات العراقية ومساعدتها على مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات بشأن التنظيمات الضالعة فيه.

وتتمتع تلك القوات بغطاء قانوني يوفره اتفاق وقعته بغداد مع واشنطن في وقت سابق بينما يضغط حلفاء إيران من سياسيين وقادة ميليشيات مسلّحة على الحكومة العراقية لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق.

وقال نائب في البرلمان العراقي إنّ قرار إيران بدخول ميليشياتها في هدنة جاء بإلحاح من قبل حكومة رئيس الوزراء العراقي التي تخوض هذه الأيام مفاوضات مع الجانب الأميركي بخصوص مواصلة الخزانة الأميركية تزويد البنك المركزي العراقي بالدولار.

ولفت النائب إلى أنّ لدى طهران مصلحة مباشرة في ذلك نظرا لكون قسم هام من العملة الأميركية التي يحصل عليها العراق تهرّب إليها، فضلا عن أنّ الإيرانيين يتخوّفون من تشدّد واشنطن مع بغداد بشأن تطبيق العقوبات المفروضة على بلادهم.

وكان السوداني قد بحث مطلع الأسبوع الجاري مع السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي علاقات التعاون بين البنك المركزي العراقي والخزانة الأميركية.

وتطرقت مباحثات الطرفين إلى جولة المفاوضات التي سيجريها بعد أيام وفد حكومي يضم مسؤولين من البنك المركزي العراقي مع وفد من البنك الفدرالي الأميركي من أجل الوصول إلى المزيد من الاتفاقات لتنظيم تمويل التجارة وتعزيز الأرصدة والسيطرة على المضاربات بالدولار في السوق السوداء والمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار.

وتحوّل سعر صرف الدولار الأميركي إلى معضلة تواجه الحكومة العراقية حيث بلغ أكثر من 1570 دينارا. وسبق لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن عبّر عن تخوف بلاده من تبعات اقتصادية وعسكرية بسبب استمرار الفصائل المسلحة في استهداف القوات الأميركية، قائلا إن رئيس الوزراء يبذل مساعي لدى تلك الفصائل من أجل إيقاف هجماتها على القوات الأميركية.

وكان الربط واضحا خلال لقاء السوداني ورومانوسكي بين قضية الدولار والأحداث في غزّة وما انجرّ عنها في المنطقة بما في ذلك العراق، حيث أكّد رئيس الوزراء التزام بلاده بـ”حماية البعثات الدبلوماسية وكذلك حماية المستشارين الأمنيين ضمن بعثة التحالف الدولي لمحاربة داعش”، بينما ذكرت السفيرة الأميركية في تغريدة على منصة إكس أنها ناقشت مع السوداني “التطورات الأخيرة وخطوات الحكومة العراقية لمنع الهجمات على الأفراد الأميركيين، وسبل دعم حكومة الولايات المتحدة للاقتصاد العراقي وازدهاره”.

وفي حين لا يستبعد المراقبون أن تتّخذ الحكومة الأميركية من قضية الدولار وسيلة للضغط عل نظيرتها العراقية للجم نشاط الميليشيات الشيعية، فإنّهم يستبعدون في المقابل توصّل حكومة السوداني إلى اتفاق مع الجانب الأميركي تحت نيران الفصائل المسلّحة، الأمر الذي يجعل للهدنة المعلنة من قبل تلك الفصائل قيمة استثنائية.