مجلس حضرموت يستكمل هيكلته في ظل تحذيرات من تمزيق جنوب اليمن

مجلس حضرموت الوطني الذي يقدّمه مؤسسوه باعتباره هيكلا مساعدا للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا، ويضعون على رأس أهدافه النأي بالمحافظة عن الحروب والصراعات، يجد نفسه موضع ارتياب من أن يتحوّل هو نفسه سببا للصراع على أساس مناطقي وبوابة لتمزيق وحدة جنوب اليمن.

راية أخرى تكرس تعدد الهويات الفرعية

عدن

قطع مجلس حضرموت الوطني الذي أعلن الصيف الماضي عن الشروع في تأسيسه في العاصمة السعودية الرياض، خطوة جديدة نحو استكمال هيكلته القيادية وذلك بتشكيله هيئتيه الرئاسية والعليا.

وجاء ذلك وسط تحذيرات من أن يتحوّل المجلس إلى سلطة موازية تكرّس الهوية المناطقية للمحافظة وتساهم في تمزيق جنوب اليمن الذي يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي بالحفاظ على وحدته كأساس ضروري للعودة إلى واقع دولة الجنوب المستقلة ضمن حدود ما قبل سنة 1990.

وضمّت الهيئة الرئاسية لمجلس حضرموت والتي أعلن عن تشكيلها في مؤتمر صحفي بالرياض ثلاثة وعشرين عضوا “يمثلون مختلف المكونات في المحافظة”، فيما أُعلن عن التوافق على تشكيل هيئة عليا للمجلس تتكون من مئتين وواحد وخمسين عضوا.

ومن جهته أعلن رئيس الهيئة التأسيسية للمجلس بدر محمد باسلمة عن انتهاء الهيئة من أعمالها بإعداد مسودات ومشاريع كافة الوثائق والأدبيات الخاصة بالمجلس من نظام أساسي وهياكل تنظيمية ولوائح داخلية.

ومنذ الإعلان عن تأسيس مجلس حضرموت الوطني اعتبرت قوى جنوبية أن خطوة تأسيس الهيكل الجديد موجهّة أساسا لعرقلة جهود استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل الوحدة المعلنة مطلع تسعينات القرن الماضي، وأنّ قوى شمالية يمنية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح هي من تقف وراء مجلس حضرموت.

وتأسس المجلس بموجب وثيقة سياسية صدرت في ختام مشاورات بين قوى وشخصيات سياسية واجتماعية حضرمية استضافتها العاصمة السعودية الصيف الماضي على مدى شهر كامل وحضرها محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي والسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر.

وبشأن هيكلة مجلس حضرموت نصت الوثيقة على إنشاء هيئة تأسيسية له تعمل بالتنسيق مع المحافظ وتتولى التحضير لتشكيل المجلس وإعداد التصور الكامل لهياكله ونظامه الأساسي ولوائحه الداخلية.

ووضعت الوثيقة ضمن أهداف تأسيس المجلس تغليب نهج الحوار لحل كافة الخلافات والتفرّغ للإصلاحات الاقتصادية والخدمية، وحشد الجهود لاستعادة مؤسسات الدولة والنأي بحضرموت عن أيّ توترات أو خلافات بينيّة.

كما أشارت إلى “خطورة تحويل حضرموت إلى مسرح للصراع وتداعيات ذلك على السكينة العامة والسّلم الاجتماعي في حضرموت ومصالح مواطنيها، وأمن المناطق المحررة واستقرارها، ودول الجوار، وخطوط الملاحة العالمية”.

وعلى طرف نقيض مما هو معلن في الوثيقة بدا أنّ المجلس الجديد بصدد وضع المحافظة في قلب صراع جديد على أساس مناطقي هذه المرّة، حيث لا يتردّد منتقدو القوى والشخصيات التي وقفت وراء تأسيسه بأنّ لها نوازع مناطقية ضيقة تصل لدى بعضها حدّ المطالبة باستقلال حضرموت على أساس أنّها تمتلك مختلف المقومات التي تؤهلها لذلك من امتداد جغرافي كبير وانفتاح على البحر وموارد نفطية هامّة.

وفي نموذج عملي على ما تمتلكه حضرموت من مقومات ذاتية، لوحت السلطة المحلية قبل أيام بوقف تحويل الإيرادات المالية للمحافظة إلى البنك المركزي بعدن. وجاء ذلك على خلفية اتهامات لحكومة معين عبدالملك بعدم الإيفاء بالتزاماتها بتوفير الخدمات الأساسية لسكان المحافظة.

وتبقى النتيجة الأخطر التي يمكن أن تترتّب على تأسيس مجلس في حضرموت يكرس استقلالية القرار في المحافظة ويرتقي إلى مرتبة سلطة موازية، في نظر دعاة استعادة دولة الجنوب، هي إمكانية تقسيم جنوب اليمن إلى كيانين شرقي وغربي تستحيل معهما عودة دولة الجنوب المستقلّة.

وكتب عبدالرحمن الوالي القيادي في الحراك الجنوبي عبر منصة إكس “إذا كان المجلس الحضرمي المعلن عنه لصالح حضرموت في إطار الجنوب فأهلا وسهلا، وهذا من حقه وحق حضرموت، ولكن لو كان مدعوما خارجيا لتمزيق الجنوب فننصح بالتوقف لأن شعب الجنوب سيحمي أرضه ووحدته”.

ومع ذلك يرى مراقبون أن التحركّات السياسية في حضرموت بما في ذلك تلك التي نتج عنها تأسيس المجلس تتضمن نقاط ضعف كثيرة تحول دون إمكانية تحوّلها إلى مشاريع جادّة ومكتملة، ومنها أنّها غير مدفوعة برغبات داخلية، بقدر ماهي جزء من مشاريع أكبر تتجاوز حدود المحافظة مثل مشروع حزب الإصلاح اليمني الذي ينوّع من تحرّكاته  لضمان حضور له في محافظات جنوب اليمن.

وتكتسي حضرموت أهمية خاصة للحزب باعتبارها ميدانا مثاليا لمقارعة المجلس الانتقالي الجنوبي وعرقلة مساعيه لاستعادة دولة الجنوب المستقلة، كما أنّ انفتاحها على محافظة مأرب أبرز معقل للحزب يجعل منها امتدادا حيويا لها خصوصا وأن المحافظتين تتميزان بثرائهما بموارد الطاقة من نفط وغاز.

كما أن القوى السياسية في حضرموت تفتقر للوحدة بفعل انتمائها إلى مشاريع مختلفة. وكمثال على ذلك لم تحظ خطوة تأسيس الهياكل القيادية لمجلس حضرموت بتأييد مؤتمر حضرموت الجامع ممثلا برئيسه عمرو بن حبريش العليي الذي اعتذر عن عدم قبوله بعضوية الهيئة الرئاسية الجديدة لمجلس حضرموت، قائلا عبر منصة إكس “أعتذر عن عدم عضويتي في مجلس حضرموت الوطني الذي طالعنا الإعلان عنه في مواقع التواصل الاجتماعي”، ومعتبرا أنّ مكانته في رئاسة حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع تلزمه بأخذ مسافة واحدة من الجميع والتعامل معهم بشكل مستقل.