تونس على وشك الإغلاق التام لمنافذ الهجرة غير النظامية إلى أوروبا

في انتظار التعهدات الأوروبية

تونس

أكدت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون أن الاتحاد الأوروبي وتونس يربطهما “تعاون جيد” بشأن الهجرة، مشيرة إلى أن عدد المهاجرين الآتين من هذا البلد إلى الاتحاد تراجع بشكل كبير لكنه ازداد من ليبيا.

ويرى مراقبون تونسيون أن الحديث عن تقليص أعداد المهاجرين بحدود تسعين في المئة يظهر أن التنسيق بين الطرفين قائم ومستمر، وأن الخلافات بشأن تنفيذ اتفاق الشراكة الإستراتيجية لم تمنع من التزام كل طرف بدوره، وخاصة تونس التي تعمل على الفصل بين احتجاجها على تأخر التمويل الأوروبي وبين التزامها بالتصدي لموجات المهاجرين حسب قدراتها.

وأرسلت تونس خلال الأيام الماضية إشارات واضحة مفادها أن البلاد مستمرة في مواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية، ويشمل ذلك قيام وحدات أمنية بإتلاف عدد من المراكب المعدة لعمليات الهجرة في إحدى القرى المحيطة بمدينة صفاقس والاشتباك مع المهاجرين وإيقاف عشرين منهم وعرضهم على القضاء بتهم من بينها العصيان.

وهذا يعني أن تونس تستمر في تنفيذ ما عليها من التزامات وفق ما جاء في اتفاق الشراكة بالرغم من خلافها مع الأوروبيين بشأن تفاصيل الاتفاق ومراحل الالتزام به.

وقال المحلل السياسي والخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني إن “المطلوب أولا أن تقوم تونس بدورها في حماية حدودها”، عازيا تراجع أعداد المهاجرين إلى عوامل من بينها الحملات الأمنية في الفترة الأخيرة على غرار ما حدث في مدينة صفاقس، فضلا عن “العوامل المناخية وتغيرات الطقس لأن ذروة الهجرة تكون في فصل الصيف، وكل هذا لا يمنع من وجود مهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء في تونس”.

وأضاف الشيباني في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يمكن الحديث عن انخفاض أعداد المهاجرين إلا بعد مدة طويلة والمسألة في حاجة إلى معالجة على نطاق أوسع، فالأمن التونسي يقوم بدوره في حماية الحدود، لكن لم نر تنسيقا أوروبيا كبيرا في الملف”. وتأتي تصريحات جوهانسون بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي حول “التحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين” في بروكسل، والذي يضم ممثلين لـ57 دولة.

وقالت المفوضة الأوروبية خلال مؤتمر صحفي “في الشهرين الماضيين شهدنا انخفاضًا بنسبة 80 – 90 في المئة تقريبًا في عدد الوافدين من تونس”، الدولة التي وقع معها الاتحاد الأوروبي اتفاقا حول الهجرة في يوليو الماضي. وأضافت “للأسف، نشهد في المقابل زيادة في أعداد الوافدين من ليبيا”. وأشارت إلى أن تراجع عمليات المغادرة من السواحل التونسية يعود إلى عمل خفر السواحل المكثف في هذا البلد.وقالت “بالطبع، لا يزال يتعين إنجاز المزيد، فتعاوننا مع تونس أوسع من مجرد قضية الهجرة. وحتى في مجال الهجرة، يجب بذل المزيد من الجهود”.

ولم يعرف سبب غياب تونس عن مؤتمر “التحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين”، وما إذا كان قد تم استدعاؤها وفضلت الغياب أم لم يتم استدعاؤها. لكن المفوضة الأوروبية أكدت رغم ذلك أن “لدينا تعاونا جيدا” مع تونس، في ردها على سؤال حول صعوبة تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة في يوليو والتوترات بشأن الأموال الأوروبية المدفوعة لتونس.

وقامت هذه الشراكة على عدة أهداف وخصوصا الحد من وصول المهاجرين من تونس إلى سواحل الاتحاد الأوروبي، وتنص على مساعدة بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، فضلا عن مساعدة مالية مباشرة بقيمة 150 مليون يورو للبلد الذي يواجه صعوبات اقتصادية.

لكن الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن في أكتوبر الماضي رفضه “صدقة” من الاتحاد الأوروبي وأعادت الحكومة التونسية، في خطوة غير مسبوقة، دعما ماليا بقيمة 60 مليون يورو كانت بروكسل قد دفعتها في إطار برنامج منفصل عن مذكرة التفاهم.

ولا تخفي تونس انزعاجها من تأخر الاتحاد الأوروبي في تحويل مذكرة التفاهم إلى اتفاق ملموس وسريع بهدف المساعدة على إنعاش الاقتصاد التونسي ودعم موازنة الدولة وتعزيز جهود مكافحة الهجرة غير النظامية. وأبدى قيس سعيد رفضه للطرح الأوروبي قائلا إن تونس تريد التعاون لا الصدقة.

وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي إن “موقف تونس بشأن الهجرة غير النظامية واضح، وسبق أن رفض الرئيس قيس سعيد مبلغ 60 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي في الملف مطالبا بتفعيل شراكة جديدة”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد الأوروبي يتلكّأ في تفعيل اتفاقية الهجرة”.

وبعد لقاءات ومباحثات متكررة توصلت تونس والاتحاد الأوروبي في 16 يوليو الماضي إلى التوقيع على مذكرة تفاهم حول “الشراكة الإستراتيجية والشّاملة” بين الجانبين.

وركز الاتفاق على عدة محاور أهمها الهجرة والاقتصاد ومجال الزراعة والتجارة والطاقة والانتقال الرقمي. وأكد الجانبان في هذا الخصوص على ضرورة مكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية كأولوية لوضع حد لفقدان أرواح بشرية ودعم الهجرة بطرق قانونية.

وتنص المذكرة على أن يعمل الجانب الأوروبي مع تونس “من أجل رفع الجاهزية ضد تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في كل من تونس والاتحاد الأوروبي، مع المزيد من التنسيق بهدف تكثيف عمليات البحث والإنقاذ وإدارة الحدود ومجابهة تهريب المواطنين”.