السعودية تتوج رؤية التحول باستضافة إكسبو 2030

شكل فوز السعودية بحق استضافة معرض إكسبو المقرر نهاية العقد الحالي تتويجا لرؤية 2030 الطموحة، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يهدف إلى رسم معالم مستقبلية في اقتصاد بلده وإبعاده عن الاعتماد على النفط.

عندما تكون نشوة الانتصار تحت الأضواء!

باريس

فازت السعودية بعد منافسة قوية بحق استضافة معرض إكسبو 2030 العالمي خلال تصويت سري أقيم في العاصمة الفرنسية باريس الثلاثاء، وهو حدث يقام كل خمس سنوات ويجذب الملايين من الزوار واستثمارات بمليارات الدولارات.

وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان عقب إعلان نتائج التصويت الساحق لصالح السعودية إن “119 دولة وثقت بملف الرياض وأيدته لاستضافة إكسبو 2030”.

واعتبر خبراء أن تحقيق هذا الإنجاز بالنظر للأهمية العالمية للمناسبة يعد مؤشرا على مدى ما بلغه أكبر اقتصاد عربي من تطور، وما حققته السعودية من إنجازات خلال السنوات الماضية، جعلت منها محل ثقة واحترام دوليين.

وسعت وفود السعودية ومنافسوها من إيطاليا وكوريا الجنوبية على مدى الأشهر القليلة الماضية للفوز بأصوات الدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض البالغ عددها 182.

وتنافست العاصمة السعودية الرياض، التي بدت حظوظها أكبر قبل عملية الاختيار بالتصويت، مع نظيرتها الإيطالية روما ومدينة بوسان الواقعة جنوب شرق كوريا الجنوبية.

وطيلة فترة المنافسة كانت تأمل كلّ منها في أن تسمح لها مشاريعها الخضراء ذات القيمة التكنولوجية العالية، باستضافة الفعالية التي تشكل امتيازا يدل على تطور متسارع في المدينة المضيفة.

ويشترط المكتب الدولي للمعارض عدم تنظيم أي دولة للمعرض ذاته، خلال 15 عاما، بينما نظمته إيطاليا في عام 2015، وفازت به كوريا في نسخة 2012، وهو ما منح الرياض فرصة الفوز بشكل لافت.

وخلال عرض ملفات كل مدينة خلال شهر يونيو الماضي في باريس، حضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.

ويتزامن الفوز بهذه الفرصة مع عام تحقيق الرؤية 2030، و”تحول البلاد إلى أعظم قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين”، وفق ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان، في تصريحات مؤخرا.

وركز ملف الرياض لاستضافة إكسبو 2030 على ثلاثة محاور هي غد أفضل والعمل المناخي، والازدهار للجميع لتشكل معا إطارا مترابطا لمعالجة التحديات الدولية المشتركة في المجالات الاقتصادية والبيئية والجيوسياسية والاجتماعية والتكنولوجية.

وقال عالم الاجتماع باتريك لو غاليس، مدير بحوث في المعهد الوطني للبحث العلمي في فرنسا وفي كلية سيانس بو، في تصريح لوكالة فرانس برس إن هذه المعارض العالمية التي تعدّ “آلة لدفع النمو وتعزيز النفوذ” تسمح بتحقيق “صورة سياسية” دولية.

وأوضح أن فوز السعودية يؤكد إستراتيجية ولي العهد السعودي “للترويج لبلده من خلال استضافة أحداث رئيسية، خصوصا أنها باتت المرشحة الوحيدة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034”.

واعتبر لو غاليس أن ترشيح السعودية وهو الأكثر إثارة للجدل تغنى بـ”مناظر طبيعية ذات مستوى عالمي”، وبأن المعرض سيكون لديها “الأكثر استدامة” و”أول معرض يلتزم حيادا كربونيا”.

وأشار إلى أن عملية الترويج جاءت رغم أن السعودية بلد قاحل وهي من بين كبار منتجي النفط في العالم وواحدة من أكبر مصادر انبعاثات غازات الدفئية للفرد الواحد.

وحصلت الرياض على دعم فرنسي في الجولة الأولى من التصويت، حيث أكد مستشارون للرئيس إيمانويل ماكرون أن ذلك جاء مقابل مساعدة السعودية لباريس في قضايا أخرى تقع في قلب الأولويات الدبلوماسية الفرنسية.

وقال مسؤول أوروبي، لم تذكر هويته رويترز، إن “الأمر يتعلق بلبنان” دون أن يذكر تفاصيل. لكن مستشار ماكرون قال إن “الالتزام يقتصر على الجولة الأولى من التصويت”.

وخصصت السعودية نحو 7.8 مليار دولار للمعرض وكذلك مبلغ 353 مليون دولار لتقديم الدعم لأكثر من مئة دولة نامية للمشاركة في معرض الرياض إكسبو 2030.

وعلاوة على ذلك قدمت وعودا للقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية بتقديم المزيد من الدعم للدول ذات الحاجة، الأمر الذي يعبر عن التزام المملكة بتقديم نسخة استثنائية وغير مسبوقة من إكسبو.

وستخصص السعودية خلال فعاليات المعرض قرابة 70 ألف غرفة فندقية جديدة في الرياض خصيصا للحدث، وهو الثاني في منطقة الشرق الأوسط بعد ما استضافته دبي قبل عامين، ترتبط بمحطة قطار من مطار الملك سلمان إلى محطة القطار.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن عضو فريق المخطط العام للرياض إكسبو 2030 لمياء المهنا، قولها إن رؤية الحدث “تؤكد التزام السعودية بتمكين المشاركة الكاملة والمتساوية للجميع، وإتاحة فرصة تطوير جناح يعرض ثقافة وطموح كل دولة”.

وأوضحت أن المعرض سيتيح للدول حرية تحديد الأجنحة بكل مرونة، حيث ستتسم بالتنوع واختلاف الأحجام، ليتم تصميمها بشكل مثالي يلبي طموحات كافة الدول.

وتتراوح مساحة كل جناح بين 500 وستة آلاف متر مربع مع خمسة خيارات مميزة للاختيار من بينها، وستكون جميع الأجنحة في مساحات مستقلة تماما.

وأكدت المهنا أن المعرض الذي سيكون تحت شعار “حقبة التغيير: معا نستشرف المستقبل” سيقدم فرصة للشركات المحلية والعالمية على حد سواء للمشاركة في بنائه وتشييده على أن يكون جاهزا بحلول عام 2028.

ولإضفاء المزيد من المرونة ستعمل الحكومة على تسهيل استيراد مواد البناء وعمليات التشغيل، وإجراءات إصدار التأشيرات للفرق والعائلات، وتوفير خيارات سكن متنوعة وخدمات مصرفية وصحية وتعليمية تتبع أعلى المعايير.

وتُقام معارض إكسبو كل خمسة أعوام وتستمر لمدة ستة أشهر كحدّ أقصى، وتسمح للبلد المختار “بإظهار نفسه للعالم” فيما يكون “مختبرا للمهندسين المعماريين”، حسبما قال الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض ديميتري كيركنتزيس في أبريل العام الماضي.

وأكد كيركنتزيس مؤخرا أن العنوان المقترح للحدث في الرياض يعد بمثابة دعوة إلى التضافر والتعاون الدولي وبناء الخطط لتحقيق غد أفضل، والتعامل بفاعلية مع التحديات والآفاق الناشئة عن عصر التغيير الذي يعيشه الكوكب.

وأشار أثناء مشاركته في الحفل الختامي لحملة ملف الرياض إكسبو 2030، الذي أقامته الهيئة الملكية لمدينة الرياض في باريس، إلى أن الرياض مدينة تتقاطع مع التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.

وأكد أنها تستعد للترحيب بالعالم من خلال إقامة حدث يتطلع بجدية نحو المستقبل برؤية واضحة تجعله في مقدمة المناقشات.