الرياض أمام حتمية تطوير النظام المصرفي لمواكبة التحول

تواجه البنوك السعودية تحدي نقص السيولة نتيجة التوسع في الرهون العقارية خلال السنوات الأخيرة بشكل لم يتماش مع نمو الودائع، ما يفرض على الحكومة والجهات ذات الصلة إعادة النظر سريعا في نشاط القطاع المصرفي حتي يواكب خطط التحول.

الأبواب مفتوحة لمراجعة دور التمويل البنكي!

الرياض

 اعتبرت وكالة ستاندرد آند بورز أن تعزيز السعودية البنية التحتية للبنوك للتخلص من محافظ الرهون العقارية وتحسين بنية ميزانياتها العمومية لا يكفيان لجعل القطاع المصرفي يسهم بشكل منفرد في تمويل “رؤية 2030”.

ولا تزال البنوك تحتفظ بنسبة كبيرة من القروض العقارية، التي يتسم جزء رئيسي منها بكونها منخفضة المخاطر، بينما تشير معدلات الفائدة المتزايدة إلى أن عمليات سحب الاستثمارات من الرهون العقارية ذات السعر الثابت قد تؤدي إلى خسائر إعادة التقييم.

وتظهر ملامح نقص السيولة بالقطاع في تجاوز معدل القروض إلى الودائع مستوى 100 في المئة بنهاية العام الماضي، مقابل 86.4 في المئة بنهاية عام 2019.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 30 بنكا تعمل في السوق المحلية وتنقسم إلى 13 بنكا محليا، أكبرها البنك الأهلي، الذي يملك حصة في كريدي سويس، و17 فرعا من البنوك الأجنبية.

وتتوقع الوكالة أن يواصل البنك المركزي السعودي توفير السيولة اللازمة للنظام المصرفي عند الحاجة، حيث تلعب البنوك “دورا رئيسياً” في تمويل “رؤية 2030” وهي خطة للتحول والتنوع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص.

وقالت في مذكرة أصدرتها الأربعاء “ننظر إلى السعودية على أنها داعمة للغاية لنظامها المصرفي، ونتوقع أن تتلقى البنوك المُهمة بشكل غير عادي دعما إذا لزم الأمر”.

وأضاف معدو المذكرة “نظرا لقيود السيولة والتشبع التدريجي للرهن العقاري في السوق، نعتقد أن نمو الإقراض سيتباطأ ويتحوّل نحو الشركات”.

ونما متوسط ودائع القطاع الخاص بنسبة 5 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية مقارنة بمتوسط نمو ودائع الحكومة والهيئات والمؤسسات التابعة لها والذي بلغ 14 في المئة.

وتشير ستاندرد آند بورز إلى أن السعودية احتفظت بسيولة نقدية كبيرة بالبنك المركزي بلغت 637.5 مليار ريال (170 مليار دولار) مع نهاية عام 2022.

وحتى مع تراجع السيولة لدى المركزي إلى 139.1 مليار دولار بنهاية الثلث الأول من 2023، لكن خبراء يرون أن هذه القوة المالية تتيح تخفيف القيود عن السيولة النقدية نظريا من خلال وضع المزيد من الودائع في النظام المصرفي.

ورغم ذلك يقول محمد دمق، مدير أول ورئيس قسم التمويل الإسلامي في ستاندرد آند بورز “لا يستطيع النظام المصرفي السعودي وحده توفير التمويل لمشاريع رؤية المملكة 2030”.

ولفت إلى أنه لتحقيق الأهداف المرجوّة بما ينسجم مع الطفرة الاقتصادية الحالية، التي جعلت حجم الناتج المحلي الإجمالي يبلغ تريليون دولار لأول مرة في تاريخ البلد فإن الأمر يتطلب تطوير سوق رأس المال المحلية إلى جانب الاستفادة من أسواق رأس المال العالمية.

ولطالما أكد محللون أن انخفاض فاعلية البنوك تعطي دليلا على أنها غير قادرة على تمويل المشاريع، التي تساهم في تنويع مصادر الدخل، وأنه لم يعد أمامها سوى التوجه لإصدار الصكوك والسندات لتأمين التمويل خلال السنوات القادمة.

وربطوا الارتقاء بالنظام المصرفي في جزء منه بالقطاع الخاص، الذي يفترض أن يفتح بنوكا ذات طابع استثماري أو دخول بنوك أجنبية إلى السوق أو حدوث اندماجات أوسع.

وعلى غير العادة خلال فترة ارتفاع أسعار النفط واجهت البنوك المحلية منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا نقصا في السيولة، إذ أدى الارتفاع السريع في الإقراض الذي لم يقابله نموّ الودائع إلى احتياجات أكبر للأموال.

وفي ديسمبر الماضي، منح المركزي دعما كبيرا للقطاع المصرفي بضخه سيولة نقدية للمحافظة على استقرار البنوك لتمويل المشاريع الاستثمارية ضمن خطط برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وزاد حينها من التعويل على استخدام آلية ضخ الأموال في النظام المالي، وهو يتطلع إلى معالجة أزمة السيولة، التي أدت إلى دفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.

وجاء التدخل عن طريق عمليات السوق المفتوحة، وهي المعاملات التي تسمح للمركزي بتوفير السيولة قصيرة الأجل أو سحبها مقابل الأوراق المالية من المقرضين.

ولدى بعض محللين قناعة بأن التدفق المتوقَع للودائع الحكومية من إيرادات النفط الخام المرتفعة لم يتحقق، كما أنَ ضخ السيولة السابق من قبل المركزي قدّم راحة مؤقتة للبنوك.

وكان المركزي قد ضخ في يونيو الماضي نحو 13 مليار دولار كودائع في البنوك التجارية، في محاولة منه لتخفيف أسوأ أزمة سيولة منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي وقت سابق أكَد وزير المالية محمد الجدعان أن نقص السيولة في النظام المصرفي، الذي دفع تكاليف التمويل إلى مستويات قياسية هذا العام، “مؤقت” ويعود بشكلٍ أساسي إلى تقلّبات السوق الأوسع.

وقال إن “الحكومة ستواصل اللجوء إلى أسواق الدين”، فيما يتابع صندوق الاستثمارات العامة تنفيذ خططه.

وأضاف أن بلاده “تتولّى تسديد ديون مستحقة الدفع، لكن إذا وفّرت السوق فرصاً حقيقية للاستدانة، فسنقوم بذلك حتى لو لم نكن في حاجة إلى الأموال بشكلٍ فوري”.

وفي يناير الماضي ذكرت ستاندرد آند بورز أن النمو السريع للائتمان في السعودية قلص من سيولة البنوك دون أن يتضح ما إذا كانت الحكومة ستعزز الودائع مرة أخرى لدى النظام المصرفي لتخفيف الضغط.

وأشارت في توقعاتها للقطاع المصرفي لعام 2023 إلى أنه بينما يشهد إقراض البنوك للشركات زيادة بسبب المشاريع المرتبطة بأجندة “رؤية 2030″، فإنه “من المرجح أن يمثل توافر التمويل قيدا لأول مرة منذ فترة”.

ورجحت أن يتباطأ نمو الائتمان الذي ارتفع بسرعة فتر أسعار الفائدة المنخفضة، جنبا إلى جنب مع نمو قروض الرهن العقاري، وسط ارتفاع الفائدة وتشبع السوق.

وسبق أن أكدت الوكالة في تقرير أن السعودية تسعى إلى تعميق أسواق الدين والأسهم لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف تأمين التمويل اللازم لـ”رؤية 2030″.

وتتضمن الخطة قيام الحكومة والكيانات ذات الصلة وكذلك القطاع الخاص باستثمارات تصل قيمتها نحو 12 تريليون ريال (3.2 تريليون دولار) بحلول عام 2030.

وقبل عامين ذكر خبراء ستاندرد آند بورز أن الوكالة تعتقد أن البنوك السعودية ستمثل مصدرا رئيسيا في تمويل تلك الرؤية، ولكنها تتوقع “دورا متزايدا” لسوق رأس المال المحلي.