تمثال الأمير عبدالقادر يفجر جدلا سياسيا وأيديولوجيا في الجزائر

انقسام في الشارع الجزائري

الجزائر

 أعاد قرار السلطة الجزائرية إقامة تمثال للأمير عبدالقادر بقيمة مالية تقدر بنحو ثمانية ملايين دولار، الجدل السياسي والأيديولوجي في البلاد حول أولويات التنمية في ظل ضعف العديد من الخدمات وتفشي البطالة والفقر، وأبرز مجددا العلاقة المتوترة بين قطاع معتبر من الشارع، وبين مثل هذه الأعمال التي تصنف برأي هؤلاء ضمن الرموز المنافية للمعتقد الديني.

وأثار إعلان والي محافظة وهران (غرب) سعيد سعيود عن مشروع بناء تمثال للأمير عبدالقادر، بأعالي جبل مرجاجو في إحدى ضواحي المدينة، جدلا غير مسبوق بين مؤيد للفكرة ورافض لها، من منطلق الميزانية المخصصة للمشروع، ومدى أولويته في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.

وتعزز موقف الرافضين للمشروع بتزامن الإعلان عنه مع الخسائر الناجمة عن موجة الفيضانات المسجلة في بعض مدن ومحافظات البلاد، والتي أدت إلى ثلاثة قتلى وخسائر مادية معتبرة، على غرار انهيار وتضرر مساكن العديد من المواطنين في محافظتي تيبازة وقالمة.

وإن لم يتمكن هؤلاء من التعبير عن موقفهم في وسائل الإعلام التقليدية بسبب الخط الأحادي الذي بات يفرض نفسه على المشهد بشكل عام، فإن شبكات التواصل الاجتماعي غصت بالتعاليق والتسجيلات المركبة بين الفيضانات التي جرفت كل شيء وبين صوت والي الولاية خلال إعلانه عن المشروع.

وتراوحت حجج الرفض بين أولويات إنفاق المال العام، في ظل تفشي البطالة وتوسع دائرة الفقر وانهيار القدرة الشرائية، وضعف الخدمات والبنية التحتية، حيث يفضل هؤلاء توجيه الاستثمارات الحكومية لتوفير فرص الشغل وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتطوير البنى التحتية، بدل تخصيصها لأغراض استعراضية.

 بينما عاد آخرون لطرح الموقف الأيديولوجي الرافض لبناء التماثيل لاعتبارات دينية، كما حدث في وقت سابق مع ترميم تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف، وهؤلاء يعتبرون التماثيل والنصب أحد الرموز التي تتنافى مع معتقد الشعب الجزائري. 

وصرح والي وهران سعيد سعيود بأن “المبلغ المالي المخصص للمشروع قد تم رصده من طرف السلطات المركزية ويقدر بأكثر من ثمانية ملايين دولار، وأن الخزينة المحلية تلقت إشعارا بذلك بإيعاز من رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون”.

وأضاف “التمثال سيكون الأعلى من نوعه في العالم حيث يبلغ 43 مترا، بينما تمثال ريو دي جانيرو البرازيلية يبلغ 39 مترا، وبسيف له طيف من الليزر تجاه القبلة”، لكن مهتمين بهذا المجال يرون أن معلومات والي الولاية غير دقيقة، لأن أعلى تمثال يقع في الصين ويقارب الـ200 متر.

في المقابل رحب آخرون بالمشروع واعتبروه التفاتة لتخليد رجل المقاومة ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، وأن التمثال سيشكل رمزا تاريخيا يضاهي عددا من التماثيل الموجودة في مختلف بقاع العالم، والتي تحولت بمرور الزمن إلى مزار للسياح من مختلف مناطق العالم.

ويقول المدون فيصل كرشوش إن “التمثال سيترجم تاريخ وأمجاد الشعب الجزائري، وسيتحول إلى قبلة لزوار المدينة سواء من الداخل أو الخارج، وإن التذرع بأولوية الاستثمارات الأخرى على المشروع، يحمل خلفيات سياسية وأيديولوجية”. وأضاف “الجزائر ليست بذلك الشكل الذي يسوق له البعض حول تدهور الخدمات، وأن لكل قطاع أولوياته، ولا يمكن رصد كل شيء في هذا القطاع أو ذاك والتغافل عن الحاجيات الأخرى”.

وكانت عائلة الأمير عبدالقادر قد رفضت تشييد تمثال له بفرنسا، وفق توصية تقرير صدرت بباريس في يناير 2021، من طرف المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، المكلف بتسوية تطبيع تاريخي بين بلاده والجزائر.

وصرح الحفيد ورئيس مؤسسة الأمير محمد بوطالب، بالقول “نرفض تشييد تمثال للأمير بفرنسا التي سجن فيها واحتجز بها كرهينة”، لكن لم يصدر إلى حد الآن أي موقف أو تعليق من العائلة أو المؤسسة حول المشروع المذكور.

ويلف شخصة عبدالقادر الجزائري جحود غير مبرر في الجزائر، فسمعة الرجل، ودوره في بناء الدولة الحديثة، لا تتعدى بعض المؤلفات والدراسات والأنشطة الرسمية، بينما لم تسع الجهات المختصة لإنجاز ولو عمل درامي أو تلفزيوني حول حياة أو شخصية الرجل، وما عرف بفليم “الأمير” استنفد حوالي عشرة ملايين دولار دون أن تصور منه لقطة واحدة.

لكن في المقابل يحظى باحترام كبير في الشام وفي الولايات المتحدة، ففي الأولى بسبب مواقفه التي أنقذت الآلاف من المسيحيين من القتل في أزمات داخلية، أما في الثانية فقد نصبت له تماثيل وأطلق اسمه على إحدى المدن.

وارتبطت المعالم التاريخية والتراثية الكبرى في الجزائر بموجات جدل كبير في كل مرة، فخلال ثمانينات القرن الماضي، أثار قرار بناء معلم “مقام الشهيد” بالعاصمة غضب الإسلاميين، الذين أطلقوا عليه كنية “هبل”، في إشارة إلى الصنم المعروف في عبادات قريش قبل الإسلام.

في حين تتعرض بعض النصب الأخرى لعمليات تخريب وإتلاف من حين إلى آخر، بدعوى تعارضها مع المعتقد الديني، كما حدث منذ سنوات مع تمثالي عين الفوارة بمدينة سطيف، والسيدة الأفريقية في مدينة معسكر.