تمرير قانون الانتخابات وفق منطق المغالبة ينبئ باحتجاجات واسعة في العراق

تعديلات تمهد لانتفاضة جديدة

بغداد

أثار تمرير قانون الانتخابات وفق منطق تحكمه المغالبة وبالالتجاء إلى قوات الأمن لإخراج نواب المعارضة غضبا كبيرا لدى أوساط سياسية وشعبية عراقية وسط توقعات بأن يقود الأمر إلى احتجاجات جديدة شبيهة بانتفاضة تشرين 2019، خاصة أن القانون الجديد ألغى أحد أهم أهداف هذه الانتفاضة وهو تمكين الأحزاب الصغيرة والمستقلين من فرص حضور أفضل في البرلمان.

وشهدت الجلسة، التي عقدت ليل الأحد واستمرت إلى الفجر، فوضى. وتم طرد الكثير من النواب المستقلين من القاعة عن طريق عناصر من الأمن الذين استنجد بهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وذلك بعدما أعربوا عن مناهضتهم للقانون، بحسب مقاطع فيديو صوّرها النواب.

وقال نواب مستقلون إن عباس الزاملي رئيس كتلة بدر في البرلمان طالب رئيس البرلمان بإنهاء عضوية نواب المعارضة المحتجين داخل قبة البرلمان، وذلك خلال جلسة تمرير قانون الانتخابات، في خطوة كان الهدف منها تمرير القانون بأيّ طريقة بالرغم من المعارضة الواسعة له في البرلمان وخارجه.

وصرخ أحد النواب بينما كان يطلق صفارة من الصفارات التي يستخدمها حكام المباريات احتجاجا على عقد الجلسة “كلا كلا لتغيير القانون. نحن نرفض عملية مصادرة الديمقراطية الحقيقية”.

ويرى مراقبون أن الالتفاف على أحد أبرز مكاسب انتفاضة تشرين من شأنه أن يدفع أنصارها للعودة إلى الشارع مستفيدين من حالة الغضب الشعبي على سياسات حكومة محمد شياع السوداني والأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي يعيشها البلد، خاصة أن الأحزاب الكبيرة أثبتت مجددا أنها لا تفكر سوى في استمرار سيطرتها على الحكم وضرب أيّ محاولة لتشكيل معارضة داخل البرلمان.

وأظهرت أشرطة فيديو بثها نشطاء على مواقع التواصل تظاهر المئات من المحتجين على التعديلات الجديدة في الكوت مركز محافظة واسط، في خطوة يتوقع المراقبون أن تكون بمثابة إعلان عن اتساع موجة الاحتجاجات ضد خطط أحزاب إيران في العراق لتمتين نفوذها وبسط قبضتها على الحكم.

وقال المستشار السياسي أحمد يونس المقيم في بغداد “تغيير القانون بطريقة تؤدي إلى خدمة مصالح الأحزاب السياسية الكبيرة هو خطوة واضحة للسيطرة على الحكومة والبرلمان، والكثير من العراقيين لن يقبلوا هذا الأمر. المظاهرات قد تعود قريبا”.

وتشهد بغداد وعدد من المحافظات الأخرى اعتصامات وتظاهرات متواصلة رفضاً لقانون الانتخابات. وتم إغلاق المنطقة الخضراء التي أحيطت بإجراءات أمنية مشددة تحسّبا لاتساع دائرة الاحتجاجات والحيلولة دون اقتراب المحتجين من البرلمان.

وأعلنت قوى التغيير الديمقراطية الجمعة عن تأييدها للتحركات الاحتجاجية الرافضة لتعديل قانون الانتخابات وفق صيغة “سانت ليغو”، وحذرت من استخدام العنف ضد المحتجين.

ويرى نواب مستقلون أن التعديلات مفصّلة على مقاس جماعات الإطار التنسيقي والأطراف المتحالفة معها، وهي تشكل التفافا على إرادة الناخبين.

وقال النائب المستقل هادي السلامي “الأحزاب الكبيرة التي تسيطر على البرلمان تخطط لفرض سيطرتها وإبعاد المستقلين. إنهم يريدون سحقنا”.

وأصر الإطار التنسيقي على تمرير القانون بصيغته الحالية، رافضا فتح أيّ حوار مع القوى المعترضة، والتي ترى في التعديل التفافا على حراك تشرين.

ويعدّ القانون عودةً إلى قانون العام 2018 الذي كانت ترفضه الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البلاد في خريف العام 2019. حينها نجح المحتجون في تحقيق مطلب قانون انتخابات جديد سمح بفوز مرشحين مستقلين إذ تمكن المستقلون في انتخابات العام 2021 من الفوز بحوالي 70 مقعداً من أصل 329.

ويرى الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن اعتماد الدائرة الواحدة “يسهّل إمكانية فوز سياسيي الأحزاب بمقاعد”، في المقابل “يجعل من الصعب على مرشحي الأحزاب الصغيرة والمستقلة الفوز في المنافسة على مستوى المحافظات”.

وبموجب القانون المعدّل، ستُحتسب الأصوات على الطريقة النسبية المعروفة بـ”سانت ليغو”، والتي يرى المناهضون للقانون أنها تخدم الأحزاب الكبيرة كذلك.

ورأى سجاد جياد في تغريدة أن احتساب الأصوات على الطريقة النسبية “يخدم الأحزاب الكبيرة ويجعل من الممكن بالنسبة إلى مرشحيها الذين لم يحصلوا على ما يكفي من الأصوات أساساً الفوز بمقاعد”.

واستنكرت حركة امتداد المستقلة في البرلمان العراقي ما وصفته “بالاعتداءات السافرة بحق نواب الحركة والقوى المعارضة الأخرى من الحركات الناشئة والنواب المستقلين الرافضين لتمرير القانون بصيغته الحالية كونها تعد تحديا لإرادة الشعب”.

وذكرت الحركة في بيان صحفي أن “الاعتداء على النواب من قبل القوات الأمنية والتهديد بإنهاء العضوية من قبل رئيس البرلمان هما سابقة خطيرة تتناقض مع مبادئ الديمقراطية والقيم الأخلاقية وذلك للصفة المعنوية التي يحملها النائب والناخبون الذين يمثلهم”.

وقال النائب علاء الركابي من كتلة امتداد إن “الأحزاب الصغيرة لن يكون لديها أيّ أمل بالحصول على تمثيل في البرلمان” وأنها “سوف تسحق”، إذا ما طبّق القانون الجديد.

ويجعل قانون الانتخابات المعدّل الجديد من كلّ محافظة دائرة انتخابية واحدة أي 18 دائرة، ملغياً بذلك الـ83 دائرة التي اعتمدت في الانتخابات الأخيرة. وسيكون البرلمان الجديد مؤلفا من 329 مقعدا منها 9 مقاعد موزعة على مكونات المجتمع العراقي وفق نظام الحصة بواقع خمسة مقاعد للمكون المسيحي ومقعد واحد لكل من الإيزيديين والشبك والصابئة المندائيين والكرد الفيليين.

وأفاد النائب بهاءالدين النوري من الإطار التنسيقي بأن كتلته تدعم القانون لأنه “يعتمد على توزيع المقاعد لأيّ كتلة حسب ثقلها الجماهيري ما سيؤدي بالمحصلة إلى تشكيل الحكومة ضمن التوقيتات الدستورية”، وبالتالي تفادي المفاوضات الطويلة كما حصل في أعقاب انتخابات العام 2021.

ونص القانون على منح حصة للنساء بنسبة 25 في المئة من عدد مقاعد البرلمان وتجري الانتخابات قبل 45 يوما من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية، وتتولى الحكومة العراقية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحديد موعد الانتخابات.

وسمح القانون للنازحين بالإدلاء بأصواتهم وفق أحدث إحصائية لأعداد النازحين تصل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق من وزارتي الهجرة والمهجرين والتجارة وبما يتيح للنازح الساكن في المخيمات التصويت لدائرته الأصلية التي نزح منها باستخدام البطاقة البارومترية.

كما ألزم القانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق باستخدام أجهزة تسريع النتائج الإلكترونية، وتجري عملية العد والفرز يدويا لأوراق الاقتراع ولجميع المحطات في نفس محطات الاقتراع، وفي حال عدم تطابق نتائج العد والفرز الإلكتروني مع نتائج العد والفرز اليدوي يتم اعتماد النتائج على أساس العد والفرز اليدوي.

وأكد القانون أن التصويت الخاص للقوات الأمنية والعسكرية يتم قبل 48 ساعة من موعد الاقتراع العام.