نتفليكس..

منطقة صراع إبداعي بين الإسرائيليين والفلسطينيين

"أرشيفية"

القاهرة

أثار بدء منصة نتفليكس الخميس عرض فيلم أردني يدعى “فرحة” يظهر مشاهد لقتل الجيش الإسرائيلي لعائلة فلسطينية ضمن ما يطلق عليه الفلسطينيون “النكبة” غضبا إسرائيليا واسعا. ويحكي فيلم “فرحة” وهو من إخراج الأردنية دارين سلام قصة فتاة فلسطينية عمرها 14 عاما، تحلم بالانتقال من قريتها الفلسطينية إلى المدينة لمواصلة تعليمها، لكن تعرض القرية للاجتياح من قبل العصابات الصهيونية التي يتم تصويرها في الفيلم وهي تعدم الفلسطينيين، يدفع الأب إلى إخفائها في غرفة صغيرة، لتكون الفتاة شاهدة على تلك الأحداث التي غيرت حياتها.

وبعد عرضه في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي عام 2021، أصبح الفيلم متاحا للبث على نتفليكس اعتبارا من يوم الخميس.

واعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي المرتقب إيتمار بن غفير في تغريدة أن عرض الفيلم على نتفليكس يثبت “مدى النفاق الموجود في العالم تجاه إسرائيل” التي تتعرض لما سمّاه “الإرهاب القاتل” حتى قبل تأسيسها.

ويُطلق مصطلح “النكبة” على عملية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم على يد “عصابات صهيونية مسلحة” عام 1948.

واضطر نحو 800 ألف فلسطيني إلى مغادرة ديارهم في ذلك العام الذي شهد تأسيس إسرائيل، هربا من “مذابح ارتكبتها عصابات صهيونية” أدت إلى مقتل نحو 15 ألف فلسطيني، بحسب تقرير حكومي فلسطيني.

وقال وزير المالية أفيغدور ليبرمان في بيان نشره على تويتر إنه “من الجنون أن تبث نتفليكس فيلما هدفه خلق ذريعة كاذبة والتحريض على كراهية الجنود الإسرائيليين”. وأضاف الوزير المنتهية ولايته “لن نسمح بتشويه سمعة جنود الجيش الإسرائيلي”، مضيفا “وجهت القيادة المهنية في وزارة المالية لاتخاذ إجراءات لسحب الميزانية عن مسرح السرايا في يافا (وسط) الذي اختار عرض الفيلم الأردني ‘فرحة’ الليلة”.

ووصف ليبرمان الفيلم بأنه “تحريضي مليء بالأكاذيب ضد جنود الجيش الإسرائيلي”.

وأردف “إسرائيل هي مكان لتقديم الأعمال الفنية الإسرائيلية والدولية، لكنها بالتأكيد ليست مكانا لتشويه سمعة جنود الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الذين يعملون ليل نهار لحماية جميع المواطنين والمقيمين فيها”.

من جانبه اعتبر وزير الثقافة الإسرائيلي حيلي تروبر أن عرض المسرح للفيلم “وصمة عار”، وفق القناة “12” الخاصة.

وانتقد أفيغدور ليبرمان وزير المالية في الحكومة المنتهية ولايتها قرار منصة نتفليكس للبث التدفقي عرض فيلم أردني يتناول مجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية المسلحة خلال أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948. وهدد الوزير اليميني بسحب تمويل الحكومة لمسرح السرايا في يافا جنوب تل أبيب بسبب قرار المسرح عرض الفيلم.

ودعا إسرائيليون إلى إلغاء اشتراكهم في المنصة. وسيتمكن مشتركو نتفليكس في جميع أنحاء العالم من مشاهدة الفيلم الذي يروي أحداث النكبة.

وطالب المصور الإسرائيلي شاي غليك مدير عام شركة نتفليكس تيد سراندوس بوقف بث الفيلم بزعم أنه “يروج لمؤامرة دم كاذبة سيئة وشريرة ضد إسرائيل”، محذرا من أنه مع أول بث للفيلم على المنصة العالمية، ستتم ترجمته إلى موجة ضخمة من معاداة السامية حول العالم ستؤذي الكثير من اليهود. وأضاف “إننا سئمنا من إراقة الدماء، ولن ندير الخد الآخر بعد الآن”، مطالبا الشركة “بالعودة إلى رشدها، وألا تؤذي الشعب اليهودي، والناجين من المحرقة”.

من جانبها ذكرت ميلان مو علام مراسلة القناة 14 الإسرائيلية اليمينية أن الفيلم الأردني “فرحة” الذي طرح الخميس على شبكة نتفليكس العالمية يثير ضجة في إسرائيل.

الأفلام تشعل صراعا من نوع آخر بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يسعى كل طرف فيهم للدفاع عن وجهة نظره

وكتب أمير بوغان مراسل الشؤون الفنية في صحيفة يديعوت أحرونوت أن “نتفليكس ستبث الفيلم في الأول من ديسمبر، وفي أحد مشاهده يظهر جنود قتلة قساة القلب يقتلون عائلة بأكملها، بما في ذلك طفلا يبلغ من العمر عاما واحدا، مما يشكل عرضا لأحداث حرب 1948 من وجهة نظر فلسطينية، وسيتمكن مشتركو نتفليكس في جميع أنحاء العالم من مشاهدة الفيلم الذي يروي أحداث النكبة، ومشهده الذي يتضمن قتل الجنود الإسرائيليين لعائلة من اللاجئين الفلسطينيين، تاركين رضيعا عمره عام واحد يموت في الميدان”.

وأضاف أن “مشهد المجزرة المروعة يستمر 15 دقيقة، وهي مشاهد مريرة، ويظهر الجنود الإسرائيليون كالجنود النازيين الذين قتلوا اليهود في المحرقة، لأن مشهد المجزرة مستوحى من سلوك النازيين في الهولوكوست، مع العلم أننا أمام مشهد صعب جدا مشاهدته وصارخ، يتجاوز بكثير الصورة العنيفة لقوات الاحتلال في الأفلام الأخرى التي أنتجتها دول عربية، وهكذا نجح الفيلم في تقديم منظور سينمائي خاص لموضوع له عبء عاطفي مميز أثار اهتمام منتجي الأفلام العرب لفترة طويلة، مما يجعله ذا قيمة كبيرة على مستويين من حيث الشكل والمحتوى”.

و”فرحة” ليس أول فيلم يثير الجدل حول مجازر النكبة الفلسطينية، فقد واجه المخرج الإسرائيلي ألون شفارتز هذا العام ردودا عنيفة على خلفية فيلمه الوثائقي الذي صور حوادث مذبحة تعرض لها الفلسطينيون في قرية الطنطورة الساحلية.

والعام الماضي أطلقت نتفليكس مجموعة جديدة من الأفلام الفلسطينية مكوّنة من 32 فيلماً بعنوان “قصص فلسطينية”، هادفةً إلى تسليط الضوء على محنة الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي وكذلك على حياة الفلسطينيين في المنفى أثارت غضباً وانتقاداً واسعاً بين النشطاء الإسرائيليين، لاسيّما المتطرّفين منهم، وذلك لقولهم إنّ غالبية تلك الأفلام هي من إخراج أنصار حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.

واعتبرت جماعة “إم تيرتزو” (Im Tirtzu) الصهيونية اليمينية المتطرّفة أنّ 25 من أصل 28 فيلماً من المجموعة أخرجها مؤيّدو حركة المقاطعة الفلسطينية، كما ربطت المجموعة الصهيونية 12 من المخرجين برسالة مفتوحة بعنوان “رسالة ضد الفصل العنصري” اتُهِمت فيها الحكومة الإسرائيلية بارتكاب مجزرة في غزة وحماية وتشجيع “القتل والترهيب ونزع الملكية بالعنف”، وذلك في أعقاب أحداث حي الشيخ جرّاح، فيما وصف ماتان بيليج زعيم الجماعة المتطرّفة قرار نتفليكس بـ”المخزي”.

وقالت إميلي شريدر الصحافية والناشطة المناهضة لحركة المقاطعة، إنّه “من المؤسف أن تقدم نتفليكس منصة للمخرجين الذين يدافعون عن الانقسام والتعصّب الأعمى في الفنون”، وادعت أنّ الشبكة العالمية بذلك “ترفع من شأن أولئك الذين يروّجون بنشاط للكراهية ويرفضون التعاون”.

وتثير الأفلام صراعا من نوع آخر بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يسعى كل طرف فيهم للدفاع عن وجهة نظره. وفي ديسمبر العام الماضي مثلا أجبرت حملة إلكترونية الأردن على وقف عرض فيلم “أميرة” ومنعه من التداول بعد رفض وشجب واسعين لمضمونه “المسيء للأسرى”. وسلط الفيلم الضوء على قصة فتاة اسمها أميرة، ولدت عبر نُطفة مهرّبة لوالدها القابع في سجن “مجدو” الإسرائيلي، لتُفاجأ في فترة لاحقة بأن النُطفة تعود لضابط إسرائيلي مسؤول عن التهريب من داخل السجن، والذي قام باستبدال العينة قبل أن يسلمها للعائلة.