الاتحاد ينجح..

الرئيس التونسي يردّ على مزايدات اتحاد الشغل: لن نتخلى عن الدعم

"أرشيفية"

تونس

قطع الرئيس التونسي قيس سعيد سياسة التجاهل والإهمال التي تعامل بها مع مزايدات بعض قادة اتحاد الشغل، وخاصة أمينه العام نورالدين الطبوبي، مؤكدا أن الدولة لن تتخلى عن سياسة دعم المواد الأساسية التي اعتمدتها على مدى عقود، وذلك بعد سلسلة من الاتهامات التي وجهها الاتحاد إلى الحكومة بأنها خضعت لشروط صندوق النقد الدولي الذي يطالب برفع الدعم.


ويأتي هذا الكلام ليوحي بأن اتحاد الشغل قد نجح في سحب الرئيس التونسي إلى مربع الرد على الإشاعات، خاصة أن الاتحاد كثّف الاتهامات الموجهة إلى الحكومة ومن ورائها رئاسة الجمهورية في الأسابيع القليلة التي سبقت الانتخابات التشريعية المقررة في الثامن عشر من هذا الشهر.

وتقول أوساط سياسية تونسية إن الرئيس سعيد اضطر إلى التصريح بأنه يدعم استمرار الدعم على المواد الأساسية للرد على حملة باتت تستهدفه شخصيّا وتقول إنه متناقض في مواقفه؛ من ناحية يتمسك بدور الدولة في خدمة المواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة والهشة، ومن ناحية أخرى توافق الحكومة على إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإصلاحات مؤلمة وبالتقشف في المالية العمومية.

وتؤكد الأوساط السياسية التونسية أن ظهور قيس سعيد في هذا الوقت مدروس، وليس ردة فعل، وأن الهدف هو الرد على حملة الاتحاد واتهاماته، ومنع أي تأثير لها على مشاركة التونسيين في الانتخابات، خاصة أن وتيرة تصريحات الاتحاد وقياداته تزايدت مع بدء الحملة الانتخابية بهدف دفع الناس إلى المقاطعة والوصول إلى نسبة مشاركة محدودة تقود إلى التشكيك في خيارات قيس سعيد.

وتعهد الرئيس التونسي بعدم تخلي الدولة عن دعم المواد الأساسية أو التفريط في المؤسسات العمومية، وذلك خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وفق بيان للرئاسة التونسية صدر مساء الخميس، بعد تهديد النقابات بـ”معركة اجتماعية” جراء غلاء الأسعار.

ويقول مراقبون ومحللون سياسيون إن قيس سعيد أراد سحب البساط من تحت أقدام اتحاد الشغل والتشكيك في مزايداته، وتأكيد ما جاء في خطابه السابق الموجه إلى التونسيين من أنه يقف إلى جانب الشعب وخاصة الفئات الفقيرة.


ويرى زهير حمدي، أمين عام التيار الشعبي، أن “الحديث عن مسألة رفع الدعم موجّه إلى الرأي العام أكثر مما هو موجه إلى الطبوبي واتحاد الشغل”.

وأضاف حمدي لـ”العرب” أن “تصريحات الرئيس قيس سعيد نفهم منها ضمنيا أنها تحمل ردّا على تصريحات الطبوبي، ولكن في العلن هي ردّ على تساؤلات الرأي العام والشعب التونسي لأن الاتحاد شريك اجتماعي”، مشيرا إلى أن “العلاقة بين السلطة والاتحاد عادة ما تتراوح بين التوتّر والهدوء”.

وأكّد حمدي أن “ما يعنينا هو عدم تمرير هذه الإملاءات، والرئيس سعيّد إن ذهب في هذا الاتجاه فهو يتوافق مع الشعب قبل اتحاد الشغل”.

وقال الرئيس التونسي إن “الدولة في إطار ممارسة دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية، لن تتخلى عن دعم المواد الأساسية كما يُشاع ذلك بين الحين والآخر”.

وشدد على تمسكه بالدور الاجتماعي للدولة، مؤكدا أنه “لا مجال للتفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية بل يجب تطهيرها والقضاء على الأسباب التي أدّت إلى الوضع الذي آلت إليه معظمها”.

وأضاف “العدالة الاجتماعية هي أساس الاستقرار الذي ينشده الجميع والذي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل توزيع عادل للثروات والقضاء على الفساد المستشري في عدة مؤسسات”.

والأربعاء حذر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، خلال فعالية نقابية بالعاصمة، من “معركة اجتماعية” على خلفية الزيادات الأخيرة في الأسعار.

وأضاف الطبوبي “قمنا بمفاوضات اجتماعية وكنا نعرف أن الاتفاق (مع الحكومة) لا يلبي طموحات الطبقة العاملة. لكن وضعنا فصلا (مادة في الاتفاق) بتقييم المفاوضات في ظل التضخم وزيادة سعر الفائدة. واليوم نقول إننا في حِل من كل الالتزامات”.

واعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن “تصريح الرئيس سعيّد يمكن أن يُفهم على أنه تفاعل وردّ على تصريحات الطبوبي، كما أنه يمكن أن يمثل رسالة إلى الخارج وردّا على صندوق النقد الدولي، لأن سعيّد يريد أن يحدّ من اندفاع تكنوقراط الحكومة نحو الخصخصة”.

وقال لـ”العرب”، “الطبوبي دفع الرئيس سعيّد إلى الخروج عن صمته وهذا هو الأهم، وإلى حدّ الآن مواقف سعيد من الملف الاقتصادي بقيت في إطار سياقات الخطاب”.

وأكّد أن “الطبوبي نجح في انتزاع تصريح هام من الرئيس، وكل تراجع عن فحوى هذا التصريح ستكون كلفته السياسية باهظة، كما أن الحكومة مطالبة بتعديل مناهجها مع الجهات المانحة”.

وفي منتصف سبتمبر الماضي وقعت الحكومة التونسية واتحاد الشغل اتفاقا لزيادة الرواتب بنسبة 5 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة كمعدل عام.

وفيما التزمت الحكومة بالاتفاق وشرعت في تطبيقه من خلال الالتزام بالزيادات التي تم توجيه القسط الأول منها إلى موظفي القطاع العام، قال الاتحاد إن الاتفاق يخص قضية جزئية، وهي زيادة الرواتب، وليس اتفاقا شاملا يفضي إلى تهدئة من جانبه لتمكين الحكومة من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تطمح إليها.

ويرى المحلل السياسي مراد علاّلة أن “اتحاد الشغل بعد أن تم تحجيم دوره السياسي، أصبح مهتما بالملف الاجتماعي، والطبوبي أجبر الرئيس سعيد على الردّ”.

وقال علالة في تصريح لـ”العرب”، “هذه المرّة قيس سعيد يدخل على خط الأزمة، والرئيس ردّ على الاتحاد حرصا منه على نجاح العملية السياسية، وكذلك لقطع الطريق أمام دعوات الإضراب والاحتجاج، وبالتالي هي رسالة طمأنة، ولا بدّ أن تترجم هذه الرسالة على أرض الواقع”.