لا يصدق- Unbelievable..

مسلسل «Unbelievable» يقدم دور النساء بشكل مختلف

لمعة عبدالرحمن

المسلسل تطرق إلى نظرة المجتمع الذكورية فيما يخصُّ هذه الجرائم بعض الرجال فشلوا في التعامل الصحيح والتوجيه الأمثل لمثل هذه الجرائم عند وقوعها

المسلسل يتحدى الدور الروتينّي للمرأة في المجتمع

مسلسل درامي تم عرضه على نتفليكس Netflix من أقوى الحبكات المليئة بالتشويق والإثارة، القصة مستندة على أحداث واقعية حصلت في الولايات المتحدة لسلسلة اغتصابات لفتيات من مختلف الأعمار، ويتم البحث عن المغتصب لفترة طويلة لكن بمساعدة محققتين يتم القبض على المغتصب وإيداعه في السجن.

، بل وحتّى في أدوار البطولة المعتادة للنساء، حيث غالبًا ما تكون الحبيبة في المسلسلات أو الأفلام منها الدراميّة أو الأكشن، أما مسلسل Unbelievable (لا يصدق) فقد أظهر قدرتها على أن تكون في مهن رجوليّة وتكون أفضل من الرجال في عالم خصص للرجل بل وتفوقت وأثبتت براعتها في هذه المطارح بالأخص وأنّ عالم الإجرام الشامل للتحقيق والشرطة هو عالم ذكوري قاس ومن الشائع والمتعارف عليه وجود الرجل في هذه المهن وشُح النساء بها.

المسلسل يعتمد على ثلاث مراحل أساسية، بدأ الفيلم عبر القصّة الأولى لأول فتاه تمّ اغتصابها بعمر الثالثة عشرة وعندما حضرت السلطات استلم ملف قضيتها محققان من الرجال، اتبعوا الأدلة الخاطئة ولم يحسنوا استخدام البراهين في مسرح الجريمة، بل وتم اتهام الفتاة المتعرضة للاغتصاب بالكذب، ناهيكم عن عذاب الجُرم الذي تعرضت له كانت تتعايش ازمة اتهام المحققين مع المجتمع ومحيطها، بينما بالمقابل وهي المرحلة الثانية من المسلسل تواجدت محققتين من أجدر المحققات ولا ننسى أنّ إحداهن كانت أمًا والأخرى زوجة، قد عملن معًا في سبيل العثور على المغتصب، وقد انتبهن لكل التفاصيل ولعبوا بما يسمى -بحسب الكتاب- «play by the Book» وهو مصطلح يدلُّ على اتباع القوانين ومعرفتها بدقة، المحققات اتبعن الأدلة بحذافيرها فلم يكذبوا أيًّا من النساء اللواتي قدمن شكوة الاغتصاب وحرصوا كل الحرص على إمساك المجرم، لأنهن علمن مدى خطورته وخطورة جرمه، الغريب في المشاهد بعضُ الفتيات المتعرضات للاغتصاب لا يبدو عليهن أي دلالات الاغتصاب لربما بسبب الصدمة او لكل فتاة طريقتها في التعامل مع أزمتها، لكن المحققات لم يشككن بصدق إحداهن، بل استمروا في دعم الضحايّا إلى النهاية.

أتساءل عن نظرة المجتمعات إلى جرائم الاغتصاب، فهذه الجرائم لا تقل خطورتها عن جرائم التعذيب والقتل، ونرى أن المسلسل تطرق إلى نظرة المجتمع الذكورية فيما يخصُّ هذه الجرائم بعض الرجال فشلوا في التعامل الصحيح والتوجيه الأمثل لمثل هذه الجرائم عند وقوعها، نرى ذلك خلال القصّة الأولى الجواب واضح لدينا إنّ المجتمع ينبذ الفتاة التي تتعرض للاغتصاب الذي يجد أنها آفات لا تستحق حيزًا فيغلقها بسرعة ويدعي أن الفتاة كاذبة تودّ سلب الأنظار وتدعي الاكتراث، بل هو ظلم وانتهاك لجسدها وازدراء لها، الأكثر استغرابًا في القصة الأولى أن الفتاه تمّ إحالتها إلى طبيبة نفسية وهنا نلاحظ أنها امرأة ولها دور كبير في تحسين حياة الفتاة الأولى عدا عن بالطبع المحققات، ببساطة قامت الطبيبة بمعاملة الفتاة صاحبة القصة الأولى بطريقة مناسبة ومهنيّة عاليّة وإني لأجد أن النساء في هذه المواقع التنافسية أو المناصب العاليّة يمكن الاعتماد عليهن لإعطاء من لا صوت لها الصوت المناسب عندما تكبل المرأة عن أخذ حقها، والعوز في ذلك لأنّ هؤلاء النسوة يدركن أنّ المهن والتنافس ليست حكرًا على الرجال ويقمن بعملهن على أكمل وجه، فكان العقل محركهن والعاطفة عندهن دافع لفهم الآخرين، الطبيبة النفسية أصغت للفتاة ولم تكذبها وفي أحد المشاهد الرائعة للمسلسل قالت الطبيبة للضحيّة الأولى (ميري) جملة بسيطة فيها معنى كبير غيرت كل حياتها، قالت لها اعتدتِ على أن تكوني الضحيّة وأن يتمّ معاملتك معاملة سيئة لكن ماذا ستفعلين تجاه أي شخص يحاول أذيتك؟ هل ستصمتين؟

الكلمة الذكية تستطيع أن تغير تفكير إنسان بل ومجتمعات كاملة، فكيف إن كان التغيير عن طريق الفعل والعمل وليس فقط الكلمات. بعد هذا التحول استطاعت ميري أن ترد قليلًا من البأس الذي عانته عبر محاربة خطأ الشرطة والبلديّة، فتلقت تعويضًا خفيفًا لبدء حياتها من جديد بمبلغ قيمته 100 ألف دولار، هذه الانطلاقة هي تغيير كبير لحياة كل فتاة يجب أن تعي لوجوده وهو مقاومة المجتمع المجحف بأقوى الأدوات لأنه لو سنحت الفرصة للمجتمع السلطوي بالسيّادة على النساء ومن خلال هذا المشهد نرى أنّ المجتمع سيقوم بفرض هيمنته وإضاعة حق الأنثى.

أما المنحى الثالث لقصة المسلسل فهو إيجاد المغتصب المجرم، وقد زُج به إلى السجن بعد أن عثرت المحققات على أدلة دامغة لإدانته، من بينها شريط فيه صور للفتيات التي قام باغتصابهن، والصدفة أنّ هذه الصور كانت تحمل الفتاة التي تم تكذيبها، وهكذا أثبت صدق الفتاة الأولى لأنّ الأدلة تم اكتشافها والبت فيها، بعد القبض على المغتصب قال في مقابلته لأحد المحققين إنه خلف الكثير من الأدلة وراءه في أول جريمة اغتصاب له، و المثير للاستغراب أنه لم يكشف لهذا كان في كل مرة يغتصب لأنه قادر على ذلك، أيّ أن الأدلة كانت كفيلة بإدانته لو تمّ فعلا متابعة القضية الأولى وعدم الاستهتار بأي قضيّة، لذا استمر في عمليات الاغتصاب وفي كل مره يقوم باغتصاب فتاة فهو ينتبه لأدق التفاصيل ويحاول إخفاء الأدلة والدلائل التي تشير إليه، بالرغم من صعوبة إيجاد الأدلة لكن مثابرة المحققات لإيجاد كل تفصيلة صغيرة وكبيرة جعلت من مسرح الجرائم مسعى لإيجاد المجرم، ذكاء المحققتين بالدافع الذي تملكانه من مهارة جعلت المغتصب يلاقي جزاءه خلف القضبان، بالإضافة لذلك ويا لسخرة القدر، قال المغتصب للمحقق أنه يكره ولا يريد أن يلتقي بأي محققة أنثى لأنه يكره النساء، لا بد وأنه يكره النساء كثيرًا وهو يقضي عقوبته خلف القضبان، لأن النهاية كانت انتصار المحققات النساء عليه وقد أخذ الصفعة الكبرى على وجهه من الأقدار الساخرة، لأنّ الحذر لم يحالفه هذه المرة لأن من أمسكت به امرأة لهذا كره النساء، لا بدّ من الإشادة أن هذا المسلسل ما هو إلا صرخة نداء للانتباه إلى حياة النساء في المجتمعات المعاديّة للمراة كما أنه لا يخفى أن المرأة تستطيع أن تتفوق في مهن احتكرت للرجال فقط، لأنه المجتمع السليم لا يقلّل من قيمة المرأة بل إن أعطاها حريتها فكأنما أعطى لنفسه منحة التقدم والنجاح.