شراكة إيران مع دول عربية تحول دون تشكيل تحالف شرق أوسطي

علاقات إيران تعوق جهود التصدي لها

لندن

تبحث الدول العربية عن أفضل السبل للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة بالتفكير في إنشاء تحالفات سياسية وعسكرية قادرة على مواجهة طهران التي تحضر بقوة منذ سنوات كفاعل سياسي واقتصادي وحتى عسكري في بعض الدول، وتتدخل بدعم ميليشيات وقلب أنظمة الحكم خدمة لمصالحها التوسعية في الشرق الأوسط.

وأعاد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحديث عن إمكانية تأسيس تحالف شرق أوسطي موسع على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي الفكرة التي سعت الولايات المتحدة لإنشائها في أعقاب قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من صفقة الملف النووي في عام 2018.

ومنذ مشاركته في قمة خليجية – عربية – أميركية موسعة بالسعودية في مايو 2017، طالب ترامب قادة الدول العربية والإسلامية بضرورة العمل على مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة والتهديدات الإيرانية.

وكانت الفكرة الأميركية أن يتألف التحالف العسكري من دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر والأردن، وهو ما دعا إليه الملك عبدالله الثاني مجددا.

لكن محللين سياسيين يقولون إن علاقات إيران مع بعض الدول العربية ستحول دون ذلك.

ويرى خبراء متابعون للصراعات في المنطقة، أن العاهل الأردني أراد من فكرة تشكيل تحالف شرق أوسطي جديد، الحد من تنامي نفوذ إيران والقوات الحليفة لها جنوبي سوريا على الحدود مع الأردن، إلى جانب الزيادات الملحوظة في أنشطة ونفوذ ما سماها “الميليشيات الشيعية في سوريا” في عمليات تهريب المخدرات والسلاح، بعد أن تراجع الدور الروسي لانشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا.

وينظر الأردن إلى الوجود الروسي في سوريا بأنه “عنصر إيجابي ومصدر استقرار”، وأن انتشار “الميليشيات الشيعية على حدود البلاد أصبحت تشكل خطرا على أمنها القومي”، مشيرا إلى تهديدات أخرى منها “عودة تنظيم داعش إلى المنطقة مجددا”.

ويعدّ أي تحالف تدعو الولايات المتحدة أو الأردن أو إسرائيل إلى تشكيله، هو تحالف يستهدف الحد من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار عبر الحرس الثوري أو قوات حليفة له.

ولم تثمر جهود الولايات المتحدة السابقة في تشكيل تحالف عسكري أو أمني لمواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، رغم المساعي العديدة التي بذلتها إدارة الرئيس ترامب، سواء لتشكيل “ناتو عربي” يمثل نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي، أو تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، أو منظومة أمن وحراسة الممرات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر المعروفة باسم “الحارس”.

ويقول مراقبون إن حظوظ مبادرة الملك عبدالله الثاني لا تبدو أفضل من حظوظ مبادرات الولايات المتحدة، حيث لم تعد التحالفات الإقليمية والدولية والعلاقات البينية بين معظم الدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة كما كانت عليه في الأعوام التي سبقت وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021. لذلك فإن مبادرة العاهل الأردني تواجه المزيد من العقبات الموضوعية التي تحول دون بلوغ الأهداف المرجوة منها، أو تجسيدها واقعا عمليا.

وأعادت دولة الإمارات علاقاتها مع سوريا، وأجرى رئيس النظام السوري، الحليف الأوثق لطهران، أول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011. كما أن الإمارات التي تعد من بين الدول الفاعلة عربيا وإقليميا، أعلنت رسميا في السادس والعشرين من يونيوالماضي موقفها من التحالف العسكري الإقليمي مع إسرائيل.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن بيان إماراتي قوله إن “دولة الإمارات ليست طرفا في أيّ تحالف عسكري إقليمي أو تعاون يستهدف أيّ دولة بعينها”.

وتأتي هذه التصريحات في إشارة إلى الحراك الذي تقوده واشنطن لتشكيل تحالف عسكري جديد تشترك به إسرائيل في مواجهة التهديدات الإيرانية على الأمن القومي الإسرائيلي، والتي أشار إليها الرئيس الأميركي في تصريحات متلفزة عند حديثه عن أهداف بلاده من حضور القمة التي دعت إليها السعودية بمشاركته وتسعة من قادة الدول الخليجية والعربية منتصف الشهر الجاري.

كما أن مفاوضات الملف النووي بين إيران ومجموعة العمل الشاملة المشتركة، قد تكون خرجت من حالة الانسداد التي تسببت بها الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات فيينا، واستضافة قطر لهذه المفاوضات في الدوحة، وفق ما نشرته وسائل إعلام إيرانية.

كما أن أجواء العلاقات بين الرياض وطهران باتت أقرب ما تكون إلى استئناف العلاقات رسميا وتبادل السفراء بعد جولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من يونيو الماضي. فقد شملت تلك الزيارات لقاءات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة جدة، ولقاءات مماثلة مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران.

وتحدّث الكاظمي في مؤتمر صحافي مشترك مع إبراهيم رئيسي عن اتفاقهما على “التهدئة في المنطقة، و”دعم الهدنة في اليمن”.

وكشفت وسائل إعلام محلية عراقية نقلا عن مسؤول إيراني سابق، أن الكاظمي حمل رسالة من ولي العهد السعودي إلى الرئيس الإيراني تفيد بإعلان “شبه رسمي” لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، بل وانتهاء الوساطة العراقية، في إشارة إلى انتهاء الأزمة السياسية بين الرياض وطهران التي تواجه مساعي تشكيل تحالف شرق أوسطي جديد.

وفي مقابل العقبات والتحديات المفترضة التي تواجه أيّ تحالف عسكري إقليمي، فإن ثمة توترات إيرانية مع عدد من دول المنطقة، منها إسرائيل.

وكشفت تصريحات لمسؤولين إسرائيليين جدية المسعى الإسرائيلي في إنجاز تحالف عسكري يضمها إلى جانب عدد من الدول العربية والخليجية، تلعب فيه تل أبيب الدور الأهم والأبرز.

حيث تسعى إسرائيل لبناء تحالف دفاعي إقليمي ترعاه الولايات المتحدة، وفق تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وتأكيدات من وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أن تل أبيب فعلا عمدت في الأسابيع الأخيرة إلى نشر منظومات رادار متطورة في دول خليجية لمراقبة الأنشطة الإيرانية.

ويرى مراقبون أن الزيارات المتبادلة لقادة عدد من دول المنطقة العربية والإقليمية، تتزامن مع تصعيد جديد تشهده المنطقة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، مع تراجع واضح في التوترات بين إيران والدول العربية والخليجية.

هذه التطورات في المنطقة تشي بأن إسرائيل وحدها من تدفع باتجاه تشكيل مثل هذه التحالفات الإقليمية، وإن كانت برعاية أميركية. فقد دفعت واشنطن إلى تنظيم اجتماع على مستوى كبار القادة العسكريين الأميركيين والإسرائيليين، وقادة من دول عربية وخليجية عدة استضافتهم مدينة شرم الشيخ المصرية، وقالت وسائل إعلام عربية وأميركية إنهم بحثوا التحالف لمواجهة إيران.

وبحسب قراءة في علاقات إيران مع دول المنطقة، فإن الدول المدعوّة للمشاركة في القمة العربية – الأميركية المقبلة، مثل سلطنة عمان وقطر والعراق، لا يمكن أن تدخل في أيّ تحالف يستهدف إيران، إذ ترتبط تلك الدول بعلاقات جوار وشراكات اقتصادية وعلاقات استراتيجية وأمنية وتعاون على كافة الأصعدة. كما أن مصر هي الأخرى لا يبدو أنها ترى أيّ مخاطر على أمنها القومي مصدرها إيران.

لذلك، فإن المتغيرات في المنطقة وإعادة صياغة العلاقات بين الدول الفاعلة فيها، تجعل إسرائيل طرفا وحيدا في مواجهة التهديدات الإيرانية بدعم أميركي محتمل، لكن دون أيّ مشاركة من الدول الخليجية أو العربية، بما فيها الأردن الذي طرح مبادرة تشكيل تحالف شرق أوسطي جديد.