زيلينسكي يأمل في تفعيل «الدبلوماسية» لإنهاء الحرب

واشنطن

 

اتهامات متبادلة بين موسكو وكييف حول عدم جدية الطرف الآخر لإيجاد مخرج للحرب الدائرة بين البلدين منذ 24 فبراير (شباط) الماضي. ويقول الكرملين إن أوكرانيا «تفتقر إلى إرادة» التفاوض لوضع حد للحرب، فيما ردت كييف قائلة على لسان أحد مستشاري الرئيس ميخايلو بودولياك إن «روسيا لا تتحلّى بعنصر رئيسي وهو فهم ما يحدث في العالم حالياً ودورها السلبي جداً». وفي الأمس أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن السبل «الدبلوماسية» وحدها يمكنها إنهاء الحرب في أوكرانيا في وقت باتت المفاوضات بين كييف وموسكو في طريق مسدود. وقال زيلينسكي خلال مقابلة مع محطة تلفزيونية أوكرانية «نهاية النزاع ستكون دبلوماسية»، مضيفاً: «الحرب ستكون دامية، وتتخللها معارك وقتال إلا أنها ستنتهي قطعاً عبر السبل الدبلوماسية». وتابع: «ثمة أمور لن نتمكن من تحقيقها إلا حول طاولة المفاوضات. نريد أن يعود كل شيء» كما من قبل، وهو ما «لا تريده روسيا»، دون إعطاء مزيد من التفاصيل. وعقدت عدة لقاءات بين مفاوضي البلدين من دون تحقيق أي نتيجة ملموسة. ويعود الاجتماع الأخير بين رئيسي الوفدين فلاديمير ميدينسكي من الجانب الروسي وديفيد أراخاميا عن أوكرانيا، إلى 22 أبريل (نيسان).
وتشدد الدول الغربية على رغبتها في إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو أمر لا يتجسّد على أرض الواقع بينما يطرح حجم المساعدات العسكرية المقدّمة لكييف والعقوبات المفروضة على موسكو سؤالاً مفاده: هل هي حرب بالوكالة بين الغرب وروسيا؟ دعا رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي الخميس إلى وقف عاجل لإطلاق النار في أوكرانيا حتى تبدأ مفاوضات جادة لإنهاء الحرب. وأبلغ دراجي مجلس الشيوخ في روما أنه «يجب التوصل إلى وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن»، وذلك في افتتاح جلسة حول دور إيطاليا في دعم أوكرانيا. وذكر دراجي أنه من المهم مواصلة الضغط على روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية «لأنه يتعين علينا جلب موسكو إلى طاولة المفاوضات».
تبدو المواجهة المباشرة حتى الآن مستبعدة من قبل الجميع، ويسعى الغربيون إلى تجنّب أي خطوة قد تجعلهم أطرافاً في النزاع في نظر روسيا. إلا أن المحللين الذين تحدثت معهم وكالة الصحافة الفرنسية من موسكو إلى واشنطن مروراً ببكين، يتوافقون على أن انخراط الأميركيين وبعض الأوروبيين بدرجة أقلّ، يجعلهم لاعبين رئيسيين. ويتحدث الباحث في جامعة تارتو الإستونية إيفان كويشتش عن صراع في التصوّرات. ويشرح لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الأوكرانيين لا يقاتلون سوى من أجل أنفسهم، هم ليسوا وكلاء أي جهة»، معتبراً أن كييف تقرر إيقاع النزاع من خلال مقاومة شرسة. ويضيف: «بالنسبة إلى روسيا، إنها حرب بالوكالة ضد الغرب: فالأوكرانيون شريرون ويتصرّفون بناء على أوامر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي». ويرى أن الأميركيين يريدون «ليس فقط أن تخسر موسكو، إنما أيضاً ألا تتمكن (روسيا) أبداً من شنّ مثل هذه الحرب». في الواقع، تتحدث روسيا عن عدوان غربي بالوكالة. ويؤكد ألكسندر خرامتشيخين من معهد التحليل السياسي والعسكري في موسكو أن ذلك «أمر واضح»، مشيراً إلى أن «الغرب يطيل أمد هذه الحرب إلى الحدّ الأقصى عبر تسليمه أسلحة (لأوكرانيا). بتنا نتحدث عن سنوات الآن». أواخر أبريل قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «في حال (انخرط) حلف شمال الأطلسي في نهاية المطاف في حرب بالوكالة ضد روسيا (...) فإن الحرب إذن هي حرب». من جانبه، قال الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروتشيف الثلاثاء إن «الحملة المناهضة للروس التي يقوم بها الأميركيون والدول التابعة لهم، تُظهر بشكل مقنع أن أوكرانيا أصبحت ذريعة لشنّ حرب غير معلنة على روسيا».
يشير المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر المتوسط للدراسات الاستراتيجية بيار رازو إلى أن الحرب في أوكرانيا سمحت للأجهزة الأميركية بإثبات قدراتها. ويوضح أن «خلال 48 ساعة، زالت كل أخطائها الاستراتيجية المرتكبة في السنوات العشرين الأخيرة، من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) وحتى انتصار (طالبان) والانسحاب الفوضوي من أفغانستان عام 2021». تقدّم الحرب أيضاً فرصة للمتشددين في واشنطن الذين يريدون إضعاف السلطة الروسية. ويقول بيار رازو: «هناك فرق بين ضمان ألا يتمكن الكرملين من الفوز وجعله يخسر بأي ثمن. ومنطق الأميركيين هو جعله يخسر مهما كلّف الأمر».
ويقول إن جزءاً من النخبة الأميركية الحاكمة يريد «إذلال روسيا» و«صفعها على وجهها». غير أن الاتحاد الأوروبي يبدو أكثر تحفّظاً كما أنه منقسم. فقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً إلى أن السلام سيُبنى أيضاً مع روسيا وأن ذلك «لن يحصل من خلال رفض أو استبعاد بعضنا بعضاً، ولا حتى بالإذلال». لا تتحدث الدول الغربية بصوت واحد. ويوضح إيفان كويشتش أن «ذلك يطرح أسئلة بشأن وحدة دول حلف الناتو عندما سنقترب من شكل من أشكال نهاية النزاع». لدى الولايات المتحدة بوضوح الطموحات الأكثر تطرّفاً. وكتبت صحيفة «غلوبال تايمز» في بكين أن واشنطن تريد إطالة أمد النزاع «لاستخلاص قيمة جيوسياسية منه». واتّهمت الصحيفة الصينية القومية الأميركيين «باستغلال الفوضى». ويعتبر كولين كلارك مدير الأبحاث في مركز صوفان ومقرّه نيويورك، أن واشنطن هي في صلب النزاع. ويقول إن الغربيين يسلّمون كييف أسلحة من دون توقف، فيما يثير الأوكرانيون «إعجاباً كبيراً بكفاءتهم، مما يشير إلى التدريب والتعاون المستمرّ منذ سنوات». لكنّه يؤكد أن من الجيّد الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تبدأ هذه الحرب. ويقول: «في الأغلب، تساعد دول الناتو والولايات المتحدة دولة أوروبية صديقة وحليفة، في الدفاع عن وحدة أراضيها».
وفي سياق متصل اقترح زيلينسكي يوم الجمعة إبرام اتفاقية رسمية مع حلفاء بلاده للحصول على تعويضات من روسيا عن الأضرار التي تسببت بها قواتها خلال الحرب. وأوضح زيلينسكي، الذي يقول إن روسيا تحاول تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية لأوكرانيا، أن اتفاقية بهذا الشأن ستوضح أن الدول التي تخطط لأعمال عدوانية سيتعين عليها دفع ثمن أفعالها. وقال في خطاب بالفيديو: «ندعو الدول الشريكة للتوقيع على اتفاقية متعددة الأطراف وإنشاء آلية تضمن حصول كل شخص عانى من الإجراءات الروسية على تعويض عن جميع الخسائر التي تكبدها». وقال زيلينسكي إنه بموجب مثل هذه الاتفاقية، ستتم مصادرة الأموال والممتلكات الروسية في الدول الموقعة ثم توجيهها إلى صندوق خاص للتعويضات. وقال: «سيكون ذلك عدلاً. وستشعر روسيا بثقل كل صاروخ وكل قنبلة وكل قذيفة أطلقتها علينا». وقالت كندا الشهر الماضي إنها ستغير قانون العقوبات لديها للسماح بإعادة توزيع الأصول الأجنبية المحجوزة والخاضعة للعقوبات كتعويض للضحايا أو للمساعدة في إعادة بناء دولة أجنبية من الحرب.