تصاعد التفجيرات الانتحارية في الصومال يستهدف عرقلة الانتخابات

انتخابات تتهددها حركة الشباب

مقديشو

 يزيد تفاقم التفجيرات الانتحارية في الصومال المشهد الأمني تعقيدا إذ أنها قادرة على النيل من أهداف حساسة، فيما يقول محللون إن هدفها عرقلة الاستحقاق الانتخابي.

ويعكس التغير في الأسلوب التقليدي للتفجيرات الانتحارية، التي كانت تتم عبر السيارات المفخخة، واعتمادها على تكتيك الشخص الانتحاري بواسطة الأحزمة الناسفة، مدى سعي حركة الشباب الإرهابية لخلط أوراق القوات الحكومية التي تعتمد أسلوب الحواجز الأمنية لصد الهجمات.

وكانت التفجيرات الانتحارية الأخيرة التي شهدتها مقديشو مطلع العام الجاري تتركز على استهداف قيادات الدولة ومندوبي الانتخابات، من أجل إثارة القلاقل الأمنية في العاصمة، وتخويف المندوبين من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المستمرة.

وفي مؤتمر تشاوري عقد بمقديشو ما بين الثالث والتاسع من يناير اتفق رئيس الحكومة محمد حسين روبلي ورؤساء الولايات الفدرالية الخمس على استكمال الانتخابات البرلمانية، التي توقفت في العاشر من ديسمبر الماضي، وإجرائها ما بين الخامس عشر من يناير والخامس والعشرين من فبراير الجاري.

وتسير عملية الانتخابات البرلمانية على خطى سريعة تسابق الزمن، وسط مخاوف من حدوث أحداث أمنية قد تعكر صفو أمنها، في ظل ارتفاع ملحوظ في الهجمات الانتحارية خلال الشهرين الأخيرين.

ويقول عبدالرحمن معلم المحلل السياسي إن “المخاوف الأمنية كانت موجودة منذ بدء إجراءات الانتخابات، والقوات المشتركة (الحكومية والأفريقية) اتخذت كل الإجراءات اللازمة لتأمينها”.

ولفت معلم إلى أن استهداف الناخبين (مندوبي الانتخابات) في هذا التوقيت “يشكل تهديدا مباشرا للعملية الانتخابية”.

وأضاف أن “أي قلق أمني يشعر به الناخبون (المندوبون القبليون) سوف يؤثر سلبا على سير عمليات الانتخابات وهذا ما يسعى له عناصر حركة الشباب”.

وفي الوقت نفسه قلل معلم من مدى تأثير التفجيرات على سير الانتخابات البرلمانية، نظرا لقرب انتهائها، حيث انتخب حتى الآن أكثر من 65 في المئة من أعضاء مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان).

وفي العاشر من فبراير الجاري نجا موكب كان يقل عددا من مندوبي الانتخابات (الأقاليم الشمالية) من محاولة تفجير انتحاري، وقع بعد لحظات من عبوره، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة 10 آخرين بجروح متفاوتة.

ورجح محللون أمنيون وسياسيون من أن النهج الجديد للتفجيرات الانتحارية (الأحزمة الناسفة) الذي اتخذته حركة الشباب في الآونة الأخيرة ساهم في زيادة وتيرة عملياتها الانتحارية.

ويقول إسماعيل طاهر النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي إن “مقاتلي الشباب غالبا ما يغيرون تكتيكاتهم حسب تغير الخطط الأمنية التي تتخذها القوات الحكومية التي لا تزال في موضع الدفاع منذ بدء الانتخابات النيابية والرئاسية”.

وأضاف طاهر أن “الحواجز الأمنية التي نشرتها السلطات أمام المقار الحكومية إلى جانب مداخل ومخارج العاصمة أفشلت خطة وأسلوب السيارات المفخخة، التي تتبعها حركة الشباب، للنيل من أهداف حساسة”.

وأوضح أن هذا الفشل دفع حركة الشباب إلى “الانتقال لخطة بديلة، وهي الشخصية الانتحارية، التي باتت أقل كلفة بالنسبة إليها من السيارات المفخخة، التي تتطلب جهودا كبيرة في إعدادها، وتدريب الانتحاريين، والتنسيق لإيصالهم إلى الهدف”.

ولفت طاهر إلى وجود عوامل أخرى ساهمت في زيادة حدة التفجيرات، على غرار “انشغال السلطات الأمنية في السياسة أو تأمين العملية الانتخابية”.

وأردف “إلى جانب نقل الآلاف من الجنود من العاصمة إلى الولايات الفدرالية المحلية، بذريعة تأمين الانتخابات، ما قد يؤدي إلى فراغ أمني في مقديشو، ومكن ذلك حركة الشباب من استغلال هذه الثغرة الأمنية ورفع سقف هجماتها الانتحارية”.

وقال طاهر إن الطريقة الوحيدة للحد من تلك الهجمات فصل الأمن عن السياسة، وإعادة القوات الحكومية إلى مواقعها، وإطلاق عمليات أمنية ضد مقاتلي الشباب، في المناطق التي تنشط فيها، لأن تلك العمليات لن تعطي الحركة فرصة إعداد هجمات انتحارية، وقد تنشغل في الدفاع عن نفسها.

وعادة ما تشهد البلاد خلال فترة الانتخابات (المرحلة الانتقالية) حالة من الانفلات الأمني نتيجة الأحداث الأمنية المتسارعة التي تشتد وتيرتها بسبب التفجيرات والهجمات الانتحارية لمقاتلي الشباب، بحسب النائب السابق محمد عمر طلحة.

وقال طلحة إن “توجيه الحكومة وتسخير جميع مؤسساتها، بما فيها الأمنية، للانتخابات، قد يتسبب في نوع من الفراغ الأمني، حيث تتوقف العمليات الأمنية ضد مقاتلي الشباب في الأقاليم، الأمر الذي يدفعهم (الشباب) لتنفيذ عمليات انتحارية في عمق العاصمة”.

وأشار إلى أنه “كلما تراجعت العمليات الأمنية الحكومية ضد مقاتلي الشباب، كلما كثفت حركة الشباب عملياتها ضد الأهداف الحكومية الحساسة، والشخصيات العاملة في السلك الحكومي، وهذه مفارقة أمنية، قد تتكرر في كل مرحلة انتقالية تشهدها البلاد”.

وأوضح النائب طلحة أن “حركة الشباب تسعى من خلال عملياتها لإرسال رسائل محلية ودولية مفادها أنها لا تزال قادرة على النيل من أهداف حساسة، بالرغم من خسارتها معظم الأقاليم”.

وتابع “كما تهدف الحركة إلى رفع معنويات مقاتليها، الذين تراجع نفوذهم أمام القوات الحكومية والأفريقية في ميادين القتال”.

وانتهت انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان/ 54 عضوا) في منتصف نوفمبر الماضي، فيما تتواصل انتخابات مجلس الشعب (275 نائبا) في بعض الولايات الفدرالية، حيث تم انتخاب حتى الآن 124 نائبا، بينما لم يحدد بعد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.