احتجاجات في مدن مغربية بسبب غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية

حكومة أخنوش تسعى لمعالجة الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية

تحاول السلطات المغربية امتصاص الغضب الشعبي المتنامي في الشارع بسبب غلاء أسعار المحروقات والمواد الأساسية، بالتأسيس لحوار اجتماعي يمكّن من التجاوب مع مطالب المحتجين، بعد اصطدام حكومة عزيز أخنوش بعدد من المطبات التي عمّقت الأزمة وفي مقدمتها تداعيات الجائحة الصحية وتواصل مشكلة الجفاف.

انتقادات لاذعة للأداء الحكومي

الرباط

اعترف رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بعد احتجاجات على غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية في بعض المدن، بالصعوبات التي تعانيها حكومته بسبب تداعيات فايروس كورونا وشح الأمطار، داعيا إلى وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وبلورة ميثاق اجتماعي مستدام يضمن تنافسية المؤسسات ويدعم القدرة الشرائية.

وفي كلمته خلال افتتاح الدورة السادسة للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، المنعقد بمجلس المستشارين الاثنين تحت عنوان “الحوار الاجتماعي ورهانات الدولة الاجتماعية”، أشاد أخنوش بالقرارات الجريئة التي اتخذتها الحكومة في المجال الاجتماعي.

وحثّ أخنوش على بلورة ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين، ويضع قواعد وهياكل ومؤسسات الحوار، وينظم أساليب الاشتغال المتخذة والتداول بشأن القضايا التي تحظى باهتمام العمّال ورجال الأعمال.

وأكد أن “توجه الحكومة صادق ومسؤول، يهدف إلى التجاوب مع مطالب هذه المكونات ويراعي الوضعية الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني جراء التداعيات الوخيمة لفايروس كورونا المستجد وللمقدمات الصعبة التي أملتها الظروف المناخية الراهنة”.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن “رؤساء الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية سيجتمعون مساء الثلاثاء لمناقشة تدابير الميثاق الاجتماعي والوضعية الاجتماعية المرتبطة بالجفاف وغلاء الأسعار”.

وتطالب الحكومة بالتعاون لكسب التحديات التي يواجهها المغرب وترسيخ السلم الاجتماعي والكرامة الإنسانية التي تعتبر أهم مرتكزات الدولة الاجتماعية التي أرسى مكوناتها الملك محمد السادس.

ونبه حزب التقدم والاشتراكية، المعارض، إلى تداعيات ارتفاع الأسعار منذ أسابيع عديدة، وأكد أن الحكومة تتوفر على أدوات جبائية وإجراءات أخرى يمكن أن تعالج مسألة الأسعار والتخفيف منها بدءا من المحروقات.

وتطالب المركزيات النقابية بإعادة تنظيم صندوق المقاصة (صندوق الدعم الاجتماعي وهو مؤسسة حكومية) لتدبير سياسة الدعم الموجه للمحروقات وتمويل كلفته والعمل على توقيف التحرير الكامل لأسعار المحروقات ومراقبة الشركات الموزعة وأسعار بعض السلع والمنتوجات والخدمات ذات الطابع الاستراتيجي أو الاجتماعي.

ودعا عدد من النقابات والأحزاب المغربية إلى الاهتمام بهذه المسألة بشكل عاجل نظرا لتضرر الكثير من الفئات وتحديدا الفقيرة، وفقدان الآلاف من الفئات لمناصب الشغل.

ورفض علي لطفي رئيس المنظمة الديمقراطية للشغل “التبريرات التي قدمها وزير الميزانية  فوزي قجع (وزير منتدب لوزارة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية)، وربطها بالعوامل التي أدت إلى الارتفاع الحالي في أسعار الطاقة والمحروقات عند الاستهلاك في العالم وللظرفية الحالية”.

وأضاف لـ”العرب” أن الحل يكمن في وقف فوضى الأسعار والاحتكار والتدبير والإعفاءات الضريبية غير المبررة والتهرّب الضريبي.

ويرى مراقبون أن الاحتجاجات التي عرفتها بعض مدن المغرب الأحد تتطلب تجاوبا مباشرا من طرف الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار، رغم أن هذه الظرفية مرتبطة بسوق المحروقات على الصعيد العالمي والأوضاع الاقتصادية في العالم.

وتبديدا لتخوفات الفاعلين الاجتماعيين، من عدم تعاطي الحكومة مع الظروف الحالية بشكل عملي وفعال، اعتبر رئيس الحكومة أن “المغرب مطالب بأن يعيش مناخا سياسيا جديدا، ما قد يساهم في تجاوز حالة سوء الفهم التي كان عليها الحوار الاجتماعي في السابق، بعيدا عن الصراعات المفتعلة التي أهدرت الكثير من الجهد”.

وربط لطفي ما تعرفه أسعار المحروقات والمواد الغذائية الواسعة الاستهلاك بالقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الذي فرضته الحكومة التي ترأسها عبدالإله بن كيران، ما أدى إلى المزيد من الفقر واللامساواة الاجتماعية.

ويؤكد الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون في المغرب على ضرورة تحقيق نموذج اقتصاد قوي وعدالة اجتماعية بتوزيع عادل للثروات، ضمانا للاستقرار والتنمية والديمقراطية.

وقال النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين، أن “المغرب مطالب بالعودة من جديد من بوابة الدولة الاجتماعية”.

ودعا عدد من النقابات والأحزاب المغربية إلى الاهتمام بصندوق الدعم الاجتماعي بشكل عاجل نظرا لتضرر الكثير من الفئات وتحديدا الفقيرة، وفقدان الآلاف من الفئات لمناصب الشغل.

وتسعى الحكومة المغربية لتنظيم حوار مع الشركاء الاجتماعيين، بهدف تحقيق التنمية دون تضرر أي طرف فضلا عن ضمان حقوق كل شريك في الحوار.

ودعا أخنوش المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لشركات المغرب إلى عقد أول جلسة للحوار الاجتماعي الخميس المقبل، معتبرا أن “التجارب الحكومية السابقة أبانت أن الدولة الاجتماعية لا يمكن أن تتم دون جلسات منتظمة للحوار الاجتماعي”.

وأكد ميارة أن الهدف من الحوار الاجتماعي هو إرساء سلم اجتماعي وعلاقات تعاقدية والبحث عن أفضل السبل لمقاومة التحديات الاجتماعية المطروحة في البلاد، عبر مساعدة نموذج الدولة الاجتماعية، للفئات الضعيفة، وحماية المواطنين من انزلاقات اقتصاد السوق.

وطالب لطفي بـ”تحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة والإسراع بتفعيل السجل الاجتماعي الموحد لرصد دقيق للفئات الفقيرة ذات الدخل المحدود، وحماية الفئات الأكثر تضررا من تردي الأوضاع، وتوفير الدعم العام في إطار سياسة شاملة للتغطية الاجتماعية وتأهيل المرافق العمومية في البلاد”.