وفد مصري يلتقي اتحاد الغرف والبورصات التركي لتعزيز العلاقات التجارية

جولة اقتصادية تُمهد لتطبيع سياسي بين مصر وتركيا

تُمهد الجولة الاقتصادية التي قام بها رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركي رفعت حصار جيكلي أوغلو في مصر لتطبيع سياسي للعلاقات بين أنقرة والقاهرة، حيث يسعى الطرفان لتطوير الاستثمارات المتبادلة وهي مساع يبدو أنها نابعة من تعليمات سياسية مباشرة.

تركيا تسارع لاتخاذ خطوات تستهدف تطبيع العلاقات

القاهرة

 دعا رئيسا اتحاد الغرف والبورصات في تركيا رفعت حصار جيكلي أوغلو والاتحاد العام للغرف التجارية في مصر إبراهيم العربي خلال اجتماع عقد في أنقرة الجمعة إلى تطوير الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.

وأكد حصار جيكلي أن الحوار بين البلدين جعل عالم الأعمال سعيدا، مؤكدا أنهم مستعدون لبذل قصارى جهدهم للمساهمة في هذه المرحلة، ويحاولون دائمًا الفصل بين السياسة والاقتصاد، قائلا “نحن كمستثمرين أتراك لم نوقف استثماراتنا في مصر إطلاقا. الشركات التركية لديها استثمارات تزيد عن ملياري دولار في مصر”.

ويأتي هذا التطور بعد تعثر حدوث اختراق كبير في العلاقات السياسية وعدم جني ثمار من وراء اللقاءات الاستكشافية التي تمت في كل من القاهرة وأنقرة على مستوى وفدين من وزارتي الخارجية في البلدين خلال شهري مايو وأغسطس الماضيين.

وحاولت تركيا التجاوب مع المطالب المصرية بشأن الحد من تحركات عناصر جماعة الإخوان على أراضيها وتقويض نشاطهم الإعلامي، غير أن القاهرة لم تقتنع بما اتخذته أنقرة من خطوات حتى الآن، حيث رفضت الأخيرة تسليم عدد من المطلوبين المدانين في جرائم عنف، كما تلكأت في سحب قواتها العسكرية من ليبيا.

وسعت أنقرة لخفض التوتر مع القاهرة في القضايا العالقة بينهما وأبدت تجاوبا نسبيا معها ضمن رغبتها في تصفير الخلافات الإقليمية، غير أنها اصطدمت بتشدد مصر التي اشترطت للتطبيع أن تؤكد تركيا حسن نوايا بصورة عملية وكاملة.

ولم تحل التعقيدات المترامية بين الطرفين دون الاستفادة من التراكمات الاقتصادية الجيدة التي تجنبت التأثر بما وصلت إليه العلاقات السياسية والأمنية من تدهور، وكأنّ هناك حرصا مشتركا على إبعاد الاستثمارات عن أية ارتدادات سلبية.

ومضى النسق الاقتصادي في اتجاه معاكس طيلة سنوات الخلاف وكأنه لا يعترف بالمستوى السياسي، وبقي بعيدًا عن التداعيات القاتمة ضمن تفاهم ملحوظ عززته حزمة من المصالح الاقتصادية التي حرص كل طرف على الاحتفاظ بها.

ورحب محرم هلال رئيس اتحاد المستثمرين المصري بتعزيز العلاقات بين مصر وتركيا بشرط مراعاة المصلحة المصرية، موضحًا لـ”العرب” أن اللقاءات الثنائية بين الغرف التجارية ورجال الأعمال خطوة أولى لعودة التطبيع بصورة كاملة بين البلدين.

وأضاف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول إصلاح أخطائه السياسية عن طريق رجال الأعمال، لأن مصر محطة مهمة لكسر عزلته في المنطقة العربية.

وأوضح هلال أن من أبرز القطاعات التي من المتوقع أن تنتعش في مصر جراء إزالة القيود في العلاقات بين البلدين هي الصناعات الهندسية وقطاع الغزل والنسيج، لافتا إلى أن الاستثمارات التركية في المناطق الصناعية الكبرى بمصر لم تتأثر سلبًا على مدار التوتر الحاد في العلاقات السياسية بين البلدين.

وكشف لـ”العرب” أن اتحاد المستثمرين “رهن إشارة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أو مجلس الوزراء برئاسة مصطفى مدبولي لعقد لقاءات مع المستثمرين الأتراك لأنه يتحرك وفق المصلحة الوطنية على الصعيدين السياسي والاقتصادي”.

وتؤكد تصريحات رئيس اتحاد المستثمرين، وهو من أكبر المنظمات الخاصة في مصر التي تضم جمعيات المستثمرين في المناطق الصناعية، أنه على صلة مباشرة وتنسيق تام مع النظام الحاكم، وأن تحركات الغرف التجارية ورجال الأعمال وتواصلها مع أي جهة في الخارج، وبينها تركيا، تنبع من تعليمات سياسية رسمية.

وما يدلل على التحسن الاقتصادي استمرار اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها مصر مع تركيا عام 2005، ودخلت حيز التنفيذ بعد ذلك بعامين، وتلزم كل طرف بتخفيض الرسوم الجمركية جزئيًا وسنويا وصولًا إلى الإعفاء الكلي الذي تحقق عام 2020، ولا تزال قائمة ولم تتعطل، وهو ما عزز من عملية التبادل التجاري بين البلدين.

واستفادت تركيا من تلك الاتفاقية بشكل أكبر باعتبارها الأكثر قدرة على التصنيع والتصدير، خاصة أن السيارات الواردة من تركيا إلى مصر عن طريق مصانع الشركات العالمية تحررت من القيود الجمركية وأصبحت صفرية عملا بالاتفاقية.

وتصدر تركيا لمصر سيارات ملاكي تنتمي إلى علامات تجارية يابانية مثل تويوتا كورولا وهوندا سيفك، وسيارات إيطالية مثل فيات تيبو، وفرنسية مثل رينو ميغان.

وحسب البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات “أميك”، ارتفعت مبيعات السيارات التركية في مصر أخيرا بنسبة تعدت 67 في المئة، بعد أن سجلت إجمالي مبيعات وصل إلى 30.2 ألف سيارة، مقارنة بنحو 18.1 ألف سيارة في 2019، أي قبل تنفيذ الاتفاقية.

ورغم استمرار العلاقات الاقتصادية بعد رحيل جماعة الإخوان عن الحكم في مصر في يوليو 2013، إلا أن التبادل التجاري مر بمراحل مختلفة بين التراجع والاستقرار حتى عاد للارتفاع العام الماضي، وسجل نحو 5.8 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2021، محققا نموا بنسبة 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2020، حسب بيانات اتحاد الغرف والبورصات في تركيا.

وقالت بسنت فهمي وكيلة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب سابقًا والخبيرة في الشأن الاقتصادي الدولي إن العلاقات التجارية لا تعرف التخاصم لأنها قائمة على المصالح، إذ يترتب عليها مصير دول وشعوب وعمالة تتكسب العيش.

وأشارت لـ”العرب” إلى أنه من مصلحة البلدين التوافق لأن اقتصاديهما يتسمان بالقوة، ويجب أن تستغل مصر النهضة الصناعية التركية لنقلها إليها، كما أن السوق المصرية تتسع لاستقبال المزيد من الاستثمارات التركية، فضلاً عن مساعي القاهرة للنهوض بالقطاعات المختلفة والتي يمكن أن تكون وسيلة إمداد لأنقرة.

وذكرت أن تجربة القطاع الخاص في تركيا التي قامت على التشجيع رائدة لأنها تشمل التصنيع في كل القطاعات وبمكونات غالبيتها محلية، بينما تعثر القطاع الخاص بمصر خلال العقود الماضية ولم يجد دعمًا كبيرًا من الدولة ما دفعه إلى الاعتماد على الاستيراد، ومن ثم يمكن نقل تجربة أنقرة الاستثمارية إلى مصر.

ووفق أحدث نشرة تخص التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في القاهرة، ارتفعت قيمة التجارة بين مصر وتركيا بنسبة 16.3 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي لتسجل نحو 4.12 مليار دولار مقابل 3.54 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020.

ويصب الميزان التجاري بين البلدين في صالح تركيا بقيمة 1.23 مليار دولار مقارنة بنحو 1.03 مليار دولار خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر من 2020، ما يعني تراجع عجز الميزان التجاري بين البلدين بنسبة 16.4 في المئة.

وأظهرت النشرة ارتفاع صادرات مصر إلى تركيا في الفترة المذكورة بنسبة 33.9 في المئة لتسجل 1.54 مليار دولار مقابل 1.15 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020 لتستحوذ على 4 في المئة من إجمالي الصادرات المصرية في تلك الفترة.