امبراطورية مالية..
مناشدة رامي مخلوف للأسد ورفض دمشق لها.. "تهرب ضريبي" أم "شرخ عائلي وسياسي"؟
لسنوات طويلة، تربع رجل الأعمال رامي مخلوف على عرش الاقتصاد السوري، مشيّدا "امبراطورية مالية" محصنة من الانهيار جراء التسهيلات والامتيازات الواسعة التي وفرها له الرئيس السوري بشار الأسد، ابن عمته، غير أن المناشدة الأخيرة من رجل الأعمال كشفت عن صراع بدأ يظهر للعلن بين الأسد وابن خاله الثري.

لسنوات طويلة، تربع رجل الأعمال رامي مخلوف على عرش الاقتصاد السوري، مشيّدا "امبراطورية مالية" محصنة من الانهيار جراء التسهيلات والامتيازات الواسعة التي وفرها له الرئيس السوري بشار الأسد، ابن عمته، غير أن المناشدة الأخيرة من رجل الأعمال كشفت عن صراع بدأ يظهر للعلن بين الأسد وابن خاله الثري.
وكان رامي مخلوف (ابن محمد مخلوف، شقيق أنيسة زوجة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ووالدة بشار) ناشد في مقطع فيديو نادر بث، الخميس، عبر حسابه في "فيسبوك"، الأسد؛ للسماح لشركة الاتصالات المحمولة التابعة له "سيريتل" بإعادة جدولة سداد ضرائب تدين بها للحكومة من أجل تفادي انهيار محتمل للشركة.
وقال مخلوف، الذي يرأس مجلس إدارة "سيريتل" وكان من ضمن الدائرة الضيقة المقربة للأسد، إن طلب الحكومة 130 مليار ليرة سورية (300 مليون دولار) "غير محق" لكنه سيلتزم.
وخلال سنوات الرخاء والحرب في سوريا، عندما كان مخلوف يدير ثروة طائلة بالشراكة مع الأسد نفسه في بعض القطاعات، لم تظهر مثل هذه المناشدات أو الشكاوى الحكومية من التهرب الضريبي، وهو ما يشير، بحسب متابعين، إلى أن "وراء الأكمة ما وراءها"، وأن ثمة شرخا عائليا وسياسيا بدأ يطفو على السطح يتجاوز مسألة الضريبة في بلد يمكن أن تحل فيه مثل هذه القضية بجرة قلم.
وأول المؤشرات على ذلك الشرخ، هو لجوء رامي مخلوف إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة "صديق الطفولة"، بحسب وصف سابق لصحيفة "نيويورك تايمز" للعلاقة التي تربط بين بشار ورامي، إذ كشف الفيديو أن رامي غير قادر على الوصول إلى الرئيس ومخاطبته شخصيا، فاختار "التواصل الافتراضي".
ولئن تعذر اللقاء بين الأسد ومخلوف، اللذين تربطهما صلة قرابة، وينتميان إلى الطائفة العلوية ذاتها، فإن ذلك يشير إلى صراع بين العائلتين، إذ يلمح متابعون إلى أن ثمة ضغوطا على الأسد من شخصيات نافذة في العائلة لقصقصة جناح مخلوف.
ويشير متابعون إلى أن ثمة ضغوطات روسية، كذلك، على الأسد لكسر الذراع الاقتصادية للنظام، والمتمثلة في امبراطورية مخلوف، ومطالبة موسكو لدمشق بدفع فواتير الحرب المتأخرة، فيما الخزينة السورية مفلسة.
ويذهب المتابعون إلى أبعد من ذلك، قائلين إن ما ظهر هو مجرد "رأس جبل الجليد" الذي يخفي بداية صراع سياسي على السلطة متصل بالمحورين الروسي الإيراني للسيطرة على البلاد.
وجاءت المناشدة بعد سلسلة من المحاولات للاستيلاء على أصول الشركات التي يسيطر عليها مخلوف، كجزء من حملة أوسع من قبل الأسد لجمع الأموال لحكومته المفلسة، بينما يرى مراقبون آخرون بأن "ازدياد التنافس داخل عائلة الأسد للسيطرة على موارد البلاد المتضائلة بسرعة أدى إلى تأجيج التوترات، لا سيما العداء طويل الأمد بين مخلوف وزوجة الأسد (أسماء الأخرس)، وهو ما أشار إليه ناشطون سوريون رأوا أن ما يحدث صراع من نوع آخر بين أبرز تيارين في الاقتصاد السوري الأول تمثله أسماء، والثاني عائلة رامي مخلوف.
ويشير آخرون إلى أن ثروة مخلوف الهائلة باتت تعرض الأسد للخطر، وربما تحول مخلوف إلى منافس له في أية تسوية سياسية محتملة، وهو ما يعيد إلى الأذهان الصراع على السلطة بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد، مطلع ثمانينات القرن الماضي، والتي انتهت بتسوية غادر بموجبها رفعت البلاد، حاملا ثروة طائلة من خزينة الدولة السورية كثمن لتنازله عن التنافس على الرئاسة السورية، آنذاك.
ورغم أن مخلوف أكد، خلال البث، ولاءه للأسد مدعيا سعادته بالامتثال لأوامر الدولة، لكنه شكك في الأرقام الحكومية، قائلا إن شركته دفعت جميع الضرائب المستحقة عليها، وليس لديها المال الذي تطلبه الحكومة".
ورغم نبرة الالتماس هذه، ألمح مخلوف إلى استعداده مقاضاة الحكومة قائلا: إن "الدولة السورية فرضت دفع مبالغ غصبا عنا". وأشار إلى أن بحوزته وثائق تؤكد أنه صاحب حق.
وما زاد في تعميق هذا الخلاف هو الرد الرسمي السوري الذي رفض مناشدة مخلوف، إذ قالت وزارة الاتصالات والتقانة السورية إنها ماضية في تحصيل أموال الخزينة، ولن تثنيها عن استرداد المال العام أي محاولات للتشويش، في إشارة إلى فيديو مخلوف.
ويُعتقد أن مخلوف وأسرته يملكون ما لا يقل عن 69% من "سيريتل"، وهي واحدة من مصادر الإيرادات الرئيسية للاقتصاد الذي دمرته الحرب.
وتستهدف عقوبات أمريكية الملياردير السوري منذ 2008 على خلفية ما تصفه واشنطن بالفساد العام، وتشدد منذ ذلك الحين الإجراءات ضد كبار رجال الأعمال المقربين من النظام، كما يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مخلوف منذ بدء الصراع السوري في 2011، متها إياه بتمويل الأسد.
وفي العام الماضي، سرت شائعات عن أن مخلوف، الذي يدين بثروته للأسد ويعتبره الكثير من رجال الأعمال السوريين وغيرهم واجهة له، لم يعد من ذوي الحظوة لعدم تقديم ما يكفي لتمويل حرب البلاد.
وتزاحم شبكة أنشطة مخلوف الواسعة النطاق، والتي تشمل البنوك والعقارات وتجارة النفط، البعض من مجتمع التجار التقليدي في سوريا، إذ أثار احتكار مخلوف منذ فترة طويلة لقطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري استياء في أروقة مجتمع الأعمال بالبلاد.
وكان لافتا أن الملياردير السوري استخدم عبارات وصفها البعض بمدغدغات للعواطف كالدين، والوطنية، إذ كرر أكثر من مرة أن الله سخره لمساعدة الفقراء ، رغم أنه ساهم، بحسب خبراء، في إفقار الشعب السوري، ففي أواخر 2019 كشفت منظمة "غلوبال ويتنس" لمكافحة الفساد أن عائلة مخلوف تتحكم في 60 % من الاقتصاد السوري.
ويعتبر مخلوف من أبرز الشخصيات الاقتصادية في سوريا، ويمتلك بالإضافة لشركة “سيرتيل” جمعية “البستان”، وإذاعات موالية للنظام السوري، كما يملك صحيفة “الوطن” الخاصة، ويدير شركات للسيارات، إضافة إلى نشاطات اقتصادية تتمثل في قطاعات مختلفة مثل الصرافة والغاز والتجارة والعقارات.
ويشارك في الاستثمار بمدينة “ماروتا سيتي”، المتوقع بناؤها في منطقة خلف الرازي في دمشق، عبر تأسيسه شركة “روافد دمشق المساهمة” في آذار الماضي، كما يملك عقارات في العاصمة الروسية موسكو تقدر بـ 40 مليون دولار، وفق منظمة "غلوبال ويتنس".
وينحدر مخلوف من جبلة وهو من مواليد عام 1969، ومتزوج من اثنتين، إسبانية، وسورية، وهي ابنة محافظ درعا السابق وليد عثمان، وهو الابن البكر لمحمد مخلوف، أخ زوجة الرئيس السابق حافظ الأسد، والمقرب منه.
وكان محمد مخلوف يدير المصرف العقاري أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، وقد جمعت علاقات تجارية قوية بين عائلتي الأسد ومخلوف، فضلا عن علاقة مصاهرة، واعتبرت مثالا واضحا لزواج السلطة برأس المال.