المجلس الأعلى للدولة يرفض ترشح العسكريين للانتخابات

خليفة حفتر يترشح لرئاسة ليبيا ومستعد لزعامة برقة في حال الرفض أو التأجيل

أعلن القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق، الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، بعد التخلي عن وظيفته العسكرية مؤقتا، وسط ترقّب الشارع السياسي الليبي لفتح باب الترشحات للموعد الانتخابي المنتظر.

خليفة حفتر يدخل السباق الانتخابي

طرابلس

قرر القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر (78 عاما) التخلي مؤقتا عن منصبه العسكري بغاية الترشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، فيما ينتظر الليبيون الإعلان رسميا عن فتح باب الترشحات للاستحقاق الذي سينتظم في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم بالتزامن مع الذكرى السبعين لقيام الدولة الليبية المستقلة بقيادة الملك إدريس السنوسي في العام 1951.

وأصدر حفتر الأربعاء، قرارا يكلف من خلاله الفريق عبدالرازق الناظوري رئيس أركان القوات المسلحة الليبية بمهام منصب القائد العام لمدة ثلاثة أشهر، اعتبارا من الثالث والعشرين من سبتمبر وحتى تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

ونشرت قيادة الجيش نص القرار موقعّا من قبل المشير حفتر الذي يكون بذلك قد استوفى أحد الشروط التي حددها قانون انتخاب الرئيس الصادر عن مجلس النواب في الرابع عشر من سبتمبر الجاري، لمن يرغب في الترشح لمنصب رئيس الدولة والذي ينص على أن يتخلى أي عسكري أو مدني ينوي الترشح، عن منصبه قبل ثلاثة أشهر من موعد الاستحقاق.

ويرى مراقبون أن شرطا ثانيا ليس من الواضح إن كان حفتر يحتكم عليه أم لا، وهو المتعلق بامتلاك جنسية ثانية، ففي حين يقول مناوئو المشير أنه حائز على الجنسية الأميركية، يؤكد المقربون منه أن ذلك غير صحيح، رغم أنه عاش بالولايات المتحدة أكثر من عشرين عاما.

وتضمن القانون شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة وهي "أن يكون ليبيا مسلما من أبوين ليبيين مسلمين، وألا يحمل جنسية دولة أخرى عند ترشحه، وألا يكون متزوجا من غير ليبية، وألا يقل سنه عن أربعين سنة، وأن يكون حاصلا على مؤهل جامعي على الأقل أو ما يعادله".

وشملت الشروط أيضا "أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية، وألا يكون محكوما عليه نهائيا في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، وأن يكون لائقا صحيا، وأن يقدم إقرارا بممتلكاته الثابتة والمنقولة له ولزوجته ولأولاده القُصر، وألا يكون موظفا في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وأي شروط أخرى ينص عليها القانون".

ولقبول الترشح لرئاسة الدولة، يجب أن يقدم المرشح تزكية من خمسة آلاف ناخب، كما يعد كل مرشح، سواء كان مدنيا أو عسكريا، متوقفا عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم ينتخب فإنه يعود إلى سابق عمله وتصرف له مستحقاته، حسب القانون.

وعلمت "العرب" أن حفتر سيعلن رسميا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية خلال اجتماع شعبي أوائل أكتوبر القادم، وأنه أعدّ نفسه جيدا لخوض حملة دعائية ستنحصر مبدئيا في مناطق سيطرة الجيش بشرق ووسط وجنوب البلاد.

ووفق مصادر مطلعة، فإن حفتر شكّل فريقا سياسيا وآخر إعلاميا لقيادة حملته الانتخابية، كما انتهى من إنجاز برنامجه الانتخابي الذي سيركّز فيه الاهتمام على الجوانب المتعلقة بالديمقراطية والاقتصاد وتوزيع الثروة والدفاع عن السيادة الوطنية وحل الميليشيات وإجلاء المقاتلين الأجانب وتكريس المصالح الوطنية الشاملة.

وخلال الأسابيع الماضية بدا حفتر في مناسبات عدة، وقد خلع البزة العسكرية وظهر في ملابس مدنية إعلانا عن الاستعداد للمنافسة على منصب رئيس للبلاد، كما شارك في فعاليات اجتماعية وثقافية ورياضية ضمن ما وصف بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها.

وتشير أوساط ليبية إلى أن حفتر، وهو أحد الفاعلين الأساسيين في مطبخ السياسة الليبية، أكد من خلال قراره بتخليه المؤقت عن قيادة الجيش أن الانتخابات الرئاسية ستنتظم في موعدها المحدد مع الانتخابات التشريعية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وأن مؤشرات واضحة وصلته من المجتمع الدولي بأن لا مجال لتأجيلها.

وتضيف الأوساط أن تنظيم الانتخابات في موعدها، كان من الضمانات المؤكدة التي قدمها المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة لحفتر لإقناعه بالمشاركة في عملية السلام وتوقيع فريقه على اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020 وفي ملتقى الحوار السياسي سواء بتونس في نوفمبر 2020، أو جنيف في فبراير 2021 ودعمه للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، مردفة أن حفتر أبلغ القوى الإقليمية والدولية في مناسبات عدة بأن أي تراجع عن موعد الانتخابات سيعتبر تلاعبا بخارطة الطريق وتحديا لإرادة الليبيين وانحيازا لطرف بعينه وهو الإسلام السياسي وبالتالي سيؤدي إلى عودة الصراع المسلح.

وفيما يتهم الإخوان وحلفاؤهم مجلس النواب بإصدار قانون لانتخاب الرئيس على مقاس المشير، يرى مهتمون بالشأن الليبي أن لا مجال للتنكر لحقيقة واضحة على الأرض وهي أن لحفتر قوة ضاربة على الأرض ومسيطرة على منابع الثروة وعلى أغلب المناطق الحدودية للبلاد، كما أنه يحظى بدعم قبلي ولاسيما في إقليم برقة، وبات رمزا لها في مواجهة القوى الأيديولوجية والحزبية والجهوية في إقليم طرابلس، فالانقسام الاجتماعي أعطى لحفتر مكانة رمزية لدى قبائل المنطقة الشرقية ولدى بعض قبائل الجنوب كما أن له أنصارا في غرب البلاد، ولاسيما ممن يرون في الجيش أفضل ضامن لتحصين سيادة ووحدة الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

وفي ذات الوقت، لن يكون بإمكان حفتر تنظيم حملة دعائية في مدن الساحل الغربي للبلاد ذات الكثافة السكانية العالية كالعاصمة طرابلس ومصراتة والزاوية وزليتن وفي مناطق الجبل الغربي، نظرا لسيطرة الميليشيات عليها، ولوجود مشاعر معادية له هناك، كما أن قوى الإسلام السياسي وأمراء الحرب وبعض الزعامات الجهوية في غرب ليبيا لن تكتفي بمنع حفتر من الاتصال بالناخبين، ولكن ستعمل على منع تنظيم الاستحقاق الانتخابي وفق القانون الصادر عن البرلمان والذي رفضه مجلس الدولة الاستشاري بقوة وقال إنه أعدّ قانونا بديلا تحول الشروط الواردة فيه دون السماح لحفتر بالترشح.

ويرفض ما يسمى بفريق المدافعين عن ثورة فبراير ترشح حفتر للانتخابات، ويرى في ذلك إعلانا لعودة الحرب والانقسام، وخاصة إذا فاز بمنصب الرئيس، وهو ذات ما يهدد به في حال ترشح أو فوز سيف الإسلام القذافي الذي يحظى بدعم أنصار النظام السابق، مع ظهور مؤشرات على أن ترشح سيف الإسلام قد ينهي تطلعات حفتر للرئاسة، لكن عدم ترشح نجل القذافي سيعطي للمشير أسبقية على بقية المترشحين والذين برز منهم إلى الآن على الأقل نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني العام الأسبق وفتحي باشاغا وزير الداخلية السابق.

وكان رئيس مجلس الدولة الاستشاري الخاضع لسيطرة الإخوان خالد المشري أعلن مؤخرا أنه يستحيل ترشح حفتر بسبب العديد من الموانع، أهمها ازدواج الجنسية، فمَن يحصل على جنسية أخرى تسقط عنه الجنسية الليبية، أيضا لكونه عسكريا، والعسكريون ممنوعون من ممارسة العمل السياسي، بل ممنوعون من التصويت في الانتخابات، فضلا عن الترشح للانتخابات، إلى جانب جرائم الحرب التي يُنظر فيها الآن أمام القضاء.

وقال المشري إنه لن يقبل بوصول حفتر إلى رئاسة ليبيا وهو ذات ما عبر عنه سلفه في رئاسة المجلس عبدالرحمان السويحلي الذي قال بدوره إن وصول حفتر إلى الحكم يعني الحرب والانقسام من جديد.

ورغم الجدل القائم في غرب البلاد، إلا أن الوضع في شرقها يبدو أكثر هدوءا وتجاوبا مع الواقع، فتخلي المشير حفتر المؤقت عن قيادة الجيش أكد أنه سيترشح لانتخابات رئاسية ستجري في الرابع والعشرين من ديسمبر، وأن أي تأجيل للانتخابات في حال فرضه سيكون شأنا يخص غرب البلاد، وهو ما سيؤدي آنذاك إلى انهيار العملية السياسية وعودة حالة الانقسام بشكل أكثر حدة مما كان عليه سابقا.

والأسبوع الماضي دعا مجلس الدولة الاستشاري إلى تأجيل الانتخابات، وفي شرق البلاد صوّت البرلمان على سحب الثقة من حكومة عبدالحميد الدبيبة وتوجيهها إلى مهمة تصريف الأعمال حتى موعد الرابع والعشرين من ديسمبر، بما يعني حصول فراغ تام في السلطة في حال عدم تنظيم الانتخابات في موعدها.

ويرى مقربون من صانعي القرار في شرق البلاد، أن هناك مؤشرات مؤكدة على وجود خطة بديلة لدى البرلمان وقيادة الجيش لمواجهة أي تأجيل للانتخابات، وأن المشير حفتر قد يلجأ للبيعة من قبل القبائل لقيادة مناطق نفوذ الجيش إذا أصر الإخوان وحلفاؤهم على منع تنظيم الاستحقاق الانتخابي في موعده، مشيرين إلى أن قيادة الجيش تتقن لعبة التوفيق بين نيل رضى المجتمع الدولي على مواقفها الداعمة للعملية السلمية، ومخاطبة القاعدة الشعبية بما تراه معبرا عن مشاغلها وتطلعاتها.