الحركة تريد إظهار وحدتها للمجتمع الدولي لإقناعه بحكومتها

المتشددون الميدانيون يستأثرون بالمناصب العليا في حكومة طالبان

استأثر المتشددون الميدانيون بالمناصب العليا في حكومة طالبان في خطوة تستهدف من خلالها الحركة إظهار وحدتها أمام المجتمع الدولي وقدرتها على تخطي خلافاتها الداخلية وذلك لإقناعه بحكومتها والاعتراف بها، فرغم مرور شهر على سيطرة طالبان على السلطة، لم تعترف أي دولة رسميا بها كحكومة شرعية في أفغانستان.

طالبان تشيع الخوف في كل مكان

كابول

أعلنت حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان الثلاثاء عدة تعيينات رئيسية شملت تعيين قائدين ميدانيين مخضرمين من معقل الحركة بجنوب البلاد في منصب نائب وزير في وزارتين رئيسيتين.

وقال المتحدث الرئيسي باسم طالبان ذبيح الله مجاهد إن الملا عبدالقيوم ذاكر شغل منصب نائب وزير الدفاع، بينما شغل صدر إبراهيم منصب نائب وزير الداخلية.

وكان متوقعا أن يشغل الرجلان منصبين كبيرين في الحكومة الجديدة، لكنّ أيا منهما لم يظهر على قائمة الوزراء الرئيسية التي أُعلنت هذا الشهر.

وورد في تقارير للأمم المتحدة أن الاثنين من بين القادة الميدانيين الموالين لزعيم طالبان الراحل الملا أختر منصور الذين ضغطوا على قيادة الحركة لتصعيد الحرب ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب.

وتمثل التعيينات الجديدة إضافة إلى قائمة المتشددين في مجموعة الوزراء الرئيسية التي تضم شخصيات مثل سراج الدين حقاني رئيس شبكة حقاني المتشددة المسؤولة عن سلسلة من الهجمات على أهداف مدنية.

لكن يبدو أن هذه التعيينات تعكس أيضا اهتمام طالبان بتحقيق الوحدة في صفوفها من خلال تسوية الخلافات الإقليمية والشخصية التي ظهرت على السطح بعد انتقال الحركة من قوة تخوض حرب عصابات إلى إدارة في وقت السلم.

وكانت المجموعة الأولى من التعيينات التي أصدرتها الحركة قد أثارت انتقادات لعدم شمولها، حيث كانت الأغلبية من قيادات طالبان وقبيلة البشتون.

وأورد تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يونيو أن كلا من ذاكر وصدر قاد قوات ضخمة اعتادت العمل في عدد من الأقاليم.

وتعتبر قواتهما قوية ومستقلة لدرجة أن هناك مخاوف في القيادة من أن يتسبب ذلك في إثارة التوتر بسبب ولاءات مجموعات معينة خاصة في جنوب وجنوب غرب البلاد.

وكان ذاكر، وهو معتقل سابق في السجن العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو بكوبا، مساعدا مقربا لمؤسس طالبان الراحل الملا عمر.

واحتُجز عندما اجتاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001 ثم نُقل إلى غوانتانامو حيث بقي إلى عام 2007، بحسب تقارير إعلامية.

وأُطلق سراحه وسُلم إلى الحكومة الأفغانية وكان مرشحا على نطاق واسع لشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة قبل أن يشغل المنصب الملا محمد يعقوب ابن الملا عمر.

وسيكون صدر، وهو رئيس سابق للجنة العسكرية في طالبان من إقليم هلمند في الجنوب، نائبا لسراج الدين حقاني الذي تنتمي أسرته للمناطق الحدودية الشرقية مع باكستان.

وتتحرك الحركة لإقناع المجتمع الدولي بحكومتها، وسط تزايد الانتقادات لفرضها نظاما متشددا من شأنه أن يقوض الحريات في البلد.

وتجهز الحركة لإعادة فتح مدارس التعليم الثانوي للبنات والتي لا تزال مغلقة رغم فتح مدارس البنين ومدارس التعليم الأساسي للبنات في الآونة الأخيرة، لكنّ متحدثا باسم الحركة لم يعلن في مؤتمر صحافي الثلاثاء إطارا زمنيا لهذا.

وتقول طالبان إنها غيرت السياسة التي انتهجتها عندما كانت في الحكم من عام 1996 إلى عام 2001 والتي منعت النساء من الخروج من البيوت إلا بصحبة محرم وأغلقت مدارس البنات، لكن الحركة أثارت المخاوف من جديد عندما قالت الأسبوع الماضي إنها ستفتح مدارس التعليم الثانوي للبنين ولم تتحدث عن فتح مدارس الفتيات.

وبين المتحدث باسم الحركة خلال مؤتمر صحافي في كابول الثلاثاء “في ما يتعلق بمدارس الفتيات، تعمل وزارة التعليم بجد للتمهيد لتعليم طالبات الثانوي بأسرع ما يمكن، والعمل جار لتنفيذ الإجراء”.

وأفادت ثلاث منظمات غير حكومية في تقرير نشر الثلاثاء أن حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان “تهدم بشكل منهجي التقدم في مجال حقوق الإنسان الذي تحقق في السنوات العشرين الماضية”، معددة سلسلة تجاوزات ارتكبت منذ منتصف أغسطس.

وقال التقرير الذي أعدته منظمة العفو الدولية والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب إن “طالبان حاولت إقناع العالم بأنها ستحترم حقوق الإنسان لكن المعلومات على الأرض تظهر واقعا مغايرا تماما”.

ويوثق التقرير سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان: ترهيب وقمع النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعمال انتقامية بحق موظفين حكوميين سابقين ومساس بحرية التعبير.

ويغطي التقرير الذي يستند إلى 12 شهادة مباشرة، الفترة الممتدة من الخامس عشر من أغسطس تاريخ سقوط كابول في أيدي طالبان وصولا حتى الثاني عشر من سبتمبر.

وجاء في التقرير أن “حياة الآلاف من النساء والرجال الذين جازفوا بحياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان، مهددة”.

ويشير أيضا إلى شهادة مدافع عن حقوق الإنسان تمكن من الفرار من البلاد، واصفا “جو الخوف” الذي تشيعه طالبان وكيف تعرض اثنان من زملائه للجلد.

كما يشير إلى شهادة صحافيتين من كابول تعرضتا لتهديدات ومضايقات، وانتهى بهما الأمر بمغادرة العاصمة بالنسبة إلى واحدة، والبلد بالنسبة إلى الأخرى.

وجاء في التقرير أن “نتيجة لجو الخوف الذي ساد إثر استيلاء طالبان على السلطة، ترتدي العديد من الأفغانيات اليوم البرقع ويمتنعن عن الخروج دون ولي أمر وتوقّفن عن ممارسة بعض الأنشطة لتجنب العنف والانتقام”.

كما يوثق النص الصعوبات التي يواجهها أولئك الذين يحاولون الفرار من البلاد. ويقول “تعرض البعض للتعذيب أو سوء المعاملة” خاصة في الأسبوعين بعد سقوط كابول، حين حاول الآلاف من الأشخاص الوصول إلى مطار العاصمة.

وتدعو المنظمات غير الحكومية مجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة إلى إنشاء آلية تحقيق مستقلة لإحصاء هذه الانتهاكات ومكافحة الإفلات من العقاب.