صحف..

خلافات جماعة الإخوان الداخلية هل تنذر باقتراب النهاية؟

"أرشيفية"

موسكو

تعيش جماعة الإخوان المسلمين مرحلةً جديدة من الانقسامات الداخلية خاصة مع حالة الغضب الموجودة لدى الشباب من قرارات القيادات، وتزايد الانقسامات بين جبهتي محمود عزت وإبراهيم منير القائم بأعمال المرشد في الفترة الحالية، في وقتٍ وجه فيه يوسف ندا القيادي الإخواني رسالة بأن الحوار مفتوح مع الرئاسة المصرية، بعد تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ومنذ اختيار إبراهيم منير قائماً بأعمال مرشد الجماعة بعد أيامٍ من توقيف أجهزة الأمن المصرية محمود عزت العام الماضي، والجماعة تشهد حالةً من التخبط والانقسامات الداخلية، لاسيما بعدما قرَّر إبراهيم منير حلَّ الأمانة العامة، وتشكيل لجنة لإدارة الجماعة، في محاولةٍ منه لإنهاء صراع بدأ على الفور بينه وبين الأمين العام محمود حسين الذي يرى نفسه الأحقَّ من منير بقيادة الجماعة.


مشكلات متعددة


تواجه الجماعة مشكلاتٍ عديدة حتى فيما يتعلق بمسألة فتح الحوار مع النظام المصري، بحسب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد الذي يقول لـ”كيوبوست” إنه بالرغم من أهمية ومكانة يوسف ندا في الجماعة، لكن ثمة انشقاقات حادة بين الأعضاء، في ظلِّ غياب القرار الموحد للجماعة، نتيجة الأزمات المتتالية على مدار السنوات السبع الماضية، والتي امتدت آثارها للتواجد الاقليمي في باقي الدول العربية.

وأضاف أن هناك وجهتي نظر لدى قيادات الجماعة وأعضائها الأولى محتقنة وناقمة على القيادات، وتتهمهم بالتضحية بعددٍ كبير من الأعضاء، وعدم تقديم شيء لهم بعد القبض عليهم، بجانب التضحية بدماء من استجابوا لقرار القيادات. أما وجهة النظر الأخرى، فترغب في التفاوض من أجل تحسين ظروف المحبوسين على الأقل، مشيراً إلى أن الخلاف في وجهات النظر ليس فقط ما يقسِّم الجماعة في الوقت الحالي، ولكن ثمة صراعات أخرى بين القيادات، وما تبقى من قواعدها الشعبية بشأن القرارات المصيرية.


الخلافات الداخلية الظاهرة الآن هي تبعات لنتائج ما حدث منذ 2014 وحتى الآن؛ بحسب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمرو فاروق الذي يقول لـ”كيوبوست” إن ما حدث في مصر أسقط هيبة الجماعة وفكرة الخلافة والأسس التي قامت عليها، وكتبها حسن البنا، وصاغها سيد قطب في صيغة نظرياتٍ التزم بها الأعضاء على مدار سنواتٍ، لافتاً إلى التفاهمات الإقليمية التي تجري في الوقت الراهن كانت عاملاً إضافياً في إضعاف التنظيم وما تبقى منه.

يرى الصحافي والباحث المصري جمال رائف أن سقوط الإخوان في مصر ساهم بسقوطها إقليمياً، وبالتالي فمحاولة الجماعة الإرهابية اليائسة لتصدير صورة غير حقيقية عنهم، وعن خبيئتهم الخبيثة، أمرٌ يندرج تحت فكرة المظلومية التي تتبعها تلك الجماعة في محاولةٍ للمرور مجدداً للداخل المصري الذي أغلق البابَ في وجه الإخوان، ولن يفتحه لهم مجدداً، مشيراً إلى أن انقساماتهم الداخلية هي خلافات على سبل أو طرق الوصول لغايتهم المتمثلة في النيل من الدولة الوطنية؛ سعياً لأيديولوجية دولة الخلافة.


يدعم هذا الرأيَ الباحثُ في شؤون الجماعات الإسلامية؛ طارق البشبيشي الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الإخفاقات المتتالية في السنوات الماضية لم تكن سهلة الإطلاق، ومن ثم تأتي محاولة الاستعطاف والظهور بمظهر الضعف في محاولةٍ لكسب تعاطف شعبي بينما هم في الحقيقة من رفعوا السلاح في وجه الشعب من أجل البقاء في السلطة، مؤكداً أن ما يحدث الآن ليس سوى محاولة لتكرار الخدع السابقة، وهو ما لن يسمح به شعبياً وسياسياً.


يشير عمرو فاروق إلى أن إبراهيم منير يحظى بدعمٍ غربي لكن في الوقت نفسه، يواجه رفضاً ممن تبقى من القواعد التنظيمية التي لا تعتبره وجهاً للجماعة، ولا يعترفون به ولا بقراراته، مشيراً إلى أن إبراهيم منير وتصريحاته السابقة المنتقدة للنظام المصري جعلته غير مؤهل للقيام بأي خطوات تجاه محاولة اتخاذ خطوة إيجابية تجاه محاولات المصالحة التي تحاول أطراف دولية دفع الجماعة إليها.


وأضاف أنه بالرغم من انتصار إبراهيم منير ونجاحه في الإطاحة بمحمود حسين فإن نتائج هذا الانتصار تدفع إلى مزيدٍ من الانشقاقات، وتكوين تشكيلاتٍ جديدة تحمل اسم الإخوان في ظلِّ عدم مرور ما حدث بسلام، ووجود اتهامات بالفساد المالي.

يدعم هذا الرأي طارق البشبيشي الذي يرى أن ثمة دوائر أجنبية تحاول فرض مصالحة الإخوان على المجتمع المصري، في الوقت الذي لم يعد هناك وجود للجماعة بشكلها التنظيمي، ولكن مجرد مكاتب موجودة في لندن، ولوبي موجود في الولايات المتحدة على علاقةٍ بأعضاء في الكونجرس، ومجموعة موجودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن الجماعة لم يعد لها وجود ككيانٍ تنظيمي، كما كانت من قبل.

استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين تغيَّرت، بحسب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية؛ إبراهيم ربيع الذي يقول لـ”كيوبوست” إنه على مدار 90 عاماً كان الشعب هو الحاضن والمموِّل الاستراتيجي لها من الناحية البشرية، بانخراطِ المزيدِ من المواطنين في التنظيم لكن الآن أصبحت المعركة مع الشعب والنظام في وقتٍ واحد، وهو ما أصاب الجماعةَ بالتصدُّع ليس فقط على مستوى مصر، ولكن أيضاً على المستوى الدولي، وظهرت آخر آثاره في تونس والمغرب مؤخراً.


تراجعت شعبية وقوة جماعة الإخوان بشكل كامل

يدعم جمال رائف هذا الرأي، معتبراً أن جماعة الإخوان الإرهابية في النزع الأخير بعد سقوطها مؤخراً في المغرب، ليتحلل وجود الجماعة في شمال إفريقيا، بالتزامن مع تخلٍّ للدولِ الإقليمية الأخرى عن داعمٍ للإخوان، ما يمهد للسقوط الكبير لتلك الجماعة الإرهابية، ومن ثم فكلُّ ما يحدث بداخل صفوف الجماعة المهلهلة ما هو إلا الصراخ الأخير قبل الرحيل لكونها ماتت إكلينيكيا


يشير إبراهيم ربيع إلى أن ما تبقى اليوم مجرد مجموعات محسوبة على أطرافٍ عربية ودولية لكل طرف أجندته الخاصة التي يسعى لتحقيقها، في الوقت الذي لا يجمع الفئات المنحازة لكل طرف داخل الجماعة سوى الرغبة في محاولة استعادة ما فقدوه من الاستقطاب الشعبي، الأمر الذي يستحيل تحقيقه على أرض الواقع.

يختتم عمرو فاروق حديثه بالتأكيد على أن الخلافات الداخلية بالجماعة جعلت هناك غياباً للرؤية الموحدة بما قد يجعلنا أمام جماعة جديدة تتخلى عن فكرة التنظيم، وتسعى للعمل من خلال تياراتٍ سياسية بقياداتٍ غير معروفة، تعمل على نشر فكر حسن البنا وسيد قطب، من دون إطارٍ تنظيمي لخلق جيلٍ جديد معتمدة على استغلال الفراغ الفكري، ومستخدمة منصاتٍ أكاديمية ومواقع إعلامية ليس لها علاقة بالتنظيم الذي سيختفي مع مرور الوقت، وهو ما يجب الحذر منه بشدة، وتتبعه خلال الفترة المقبلة.