متحورة «دلتا» ألغت آمال السيطرة على «كوفيد ـ 19» قبل نهاية الصيف

بايدن يتّهم «أقلية من الأميركيين» بعرقلة جهود إنهاء الجائحة

معارضون للتلقيح يتظاهرون في ساكرامينتو بكاليفورنيا

واشنطن

أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء الخميس، عن أسفه لأنّ «أقليّة محدّدة من الأميركيين» تمنع الولايات المتّحدة بأسرها من تخطّي جائحة «كوفيد - 19» بسبب رفض هؤلاء تلقّي لقاح مضادّ لفيروس «كورونا».

وفي خطاب متلفز أعلن خلاله عن خطة ضخمة لإعادة إطلاق حملة التلقيح في البلاد، قال بايدن إنّ «أقليّة محدّدة من الأميركيين مدعومة من أقليّة محدّدة من المسؤولين المنتخبين تمنعنا من طي صفحة» الجائحة.

وأضاف أنّ «ما يقرب من 80 مليون أميركي لم يتلقوا اللّقاح بعد، وما يزيد الطين بلّة هو أنّ مسؤولين منتخبين يجهدون لتقويض الحرب ضد (كوفيد – 19)»، معتبراً ما يقوم به هؤلاء أمراً «غير مقبول»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وأوضح الرئيس الديموقراطي أنّ هؤلاء الثمانين مليون نسمة يمثّلون 25% من السكّان، «ويمكنهم أن يتسبّبوا في الكثير من الضرر، وهم يفعلون ذلك»، مؤكّداً أنّه يريد للولايات المتحدة «أن تعود إلى الحياة الطبيعية».

- تلقيح 100 مليون موظف

وتنصّ الخطة الضخمة التي أعلن عنها بايدن في خطابه على وجوب أن يتلقّى موظفو الشركات الكبيرة في البلاد، وعددهم نحو 100 مليون موظف، اللّقاح المضاد لـ«كورونا» أو أن يبرزوا نتيجة فحص سلبية على نحو أسبوعي على الأقلّ. كما تفرض الخطة إلزامية التطعيم على نحو أربعة ملايين موظف فيدرالي يتبعون للسلطة التنفيذية الأميركية وعلى موظفي الشركات المتعاقدة مع الحكومة الفيدرالية.

وألقى بايدن خطابه في وقت يسجّل فيه المنحنى الوبائي في البلاد ارتفاعاً مطّرداً منذ بداية الصيف، بسبب تفشّي المتحوّرة «دلتا» شديدة العدوى، وبطء حملات التلقيح في مناطق واسعة ذات غالبية جمهورية، إثر تردّد قسم من الأميركيين في تلقّي اللّقاح أو رفضه بالمطلق.

وعلى الرّغم من أنّ حملة التطعيم أُعيد إطلاقها بقوة في أغسطس (آب) في بعض الولايات المتضرّرة بشدّة من المتحورة «دلتا»، فإنّ البلاد بأسرها تجتاز «فترة محورية»، على حدّ تعبير بايدن. وجدّد الرئيس في نهاية خطابه مناشدته لمواطنيه تحصين أنفسهم ضد الفيروس، قائلاً: «تلقّوا اللقاح».

- «كورونا» يحبط «صيف الآمال»

شهد الصيف الذي كان يُفترض أن يمثل خلاص الولايات المتحدة من فيروس «كورونا»، ذروة موجة وبائية جديدة، حيث عادت معدلات الوفيات اليومية إلى ما كانت عليه في شهر مارس (آذار) الماضي. وتملأ حالات الإصابة بالمتحورة «دلتا» المستشفيات، فيما تُسجل إصابات مرتفعة بين الأطفال. وتسببت الموجة الوبائية الجديدة في عودة بعض المدارس إلى نظام التعلم عن بُعد، كما نشبت مواجهات قانونية وأعمال عنف بشأن إلزامية الكمامات واللقاحات.

وتجاوز عدد الوفيات جراء الإصابة بـ«كورونا» في الولايات المتحدة 650 ألف شخص، ويتوقع أحد النماذج العلمية الرئيسية أن تصل هذه الحصيلة إلى 750 ألف شخص بحلول 1 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

«لقد شعرنا كأننا نملك زخماً إيجابياً صوب الأمام»، هكذا عبّرت كاتي باتون، الطاهية والرئيسة التنفيذية لمطعمين في أشفيل بولاية نورث كارولاينا، وأضافت لوكالة «أسوشييتد برس»: «لقد عصف المتغير (دلتا») بالخط الزمني تماماً».

لم يكن أحد يتوقع أن يسوء الوضع الوبائي مجدداً بهذا الشكل. فبعد مرور أكثر من ستة أشهر على حملة التطعيم الأميركية، أقام الرئيس بايدن حفلاً بالبيت الأبيض في الرابع من يوليو (تموز) للاحتفال بسيطرة البلاد على الفيروس، وكان لدى قادة سياسيين آخرين آمال كبيرة أن يمثّل فصل الصيف عودة إلى الحياة الطبيعية.

- مقاومة اللقاحات

قال الدكتور ستين فيرموند، من كلية الصحة العامة بجامعة ييل، إن موجة الصيف جاءت نتيجة لظهور متغير «دلتا» شديد العدوى، بالإضافة إلى المقاومة الشديدة لتلقي اللقاحات التي تمحورت حول أسس سياسية وجغرافية. وأوضح: «كان الفيروس أكثر فاعلية في انتشاره بين غير الملقحين، حتى أسفر عن تراجع الفوائد المتوقعة من اللقاحات».

وتصاعدت الأزمة بسرعة من يونيو (حزيران) إلى أغسطس. وسُجلت نحو 400 ألف إصابة بالفيروس في شهر يونيو وحده. استغرق الأمر ثلاثة أيام فقط الأسبوع الماضي لتسجيل حصيلة مماثلة.

وسجلت الولايات المتحدة 26800 حالة وفاة وأكثر من 4.2 مليون حالة إصابة في أغسطس. وكان عدد الحالات الإيجابية الشهرية هو رابع أعلى مجموع مسجل منذ بداية الجائحة.

تسببت الموجة المدفوعة بمتحورة «دلتا» في إصابة ووفاة الأميركيين الأصغر سناً بمعدل أعلى بكثير من الموجات السابقة للوباء في شمال شرقي البلاد خلال الربيع الماضي، وولايات الحزام الشمسي (من فلوريدا إلى كاليفورنيا) في صيف عام 2020 وموجة الشتاء المميتة خلال أعياد نهاية السنة. في أثناء ذروة هذه الموجات، عانى الأميركيون الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً أعلى نسب الوفيات. أما الآن، فإن الفئة العمرية الأكثر عُرضة للوفاة بين 50 و64 عاماً، وفقاً للبيانات الرسمية.

وإجمالاً، لا يزال تفشي المرض أقل بكثير من الذروة التي بلغها في فصل الشتاء، عندما ارتفع عدد الوفيات إلى 3400 حالة في اليوم وعدد حالات الإصابة الجديدة إلى ربع مليون حالة يومياً.

يبلغ متوسط الحالات الجديدة في الولايات المتحدة أكثر من 150 ألف حالة يومياً، وهي مستويات لم تسجَّل منذ يناير (كانون الثاني). وقد وصلت الوفيات إلى نحو 1500 حالة وفاة يومياً، بزيادة أكثر من الثلث منذ أواخر أغسطس.

وحتى قبل أن يصبح المتغير «دلتا» هو المتحور السائد، حذّر الخبراء من التجمعات الكبيرة وتجاهل إجراءات التباعد الاجتماعي. وقال الدكتور دايفيد داودي، اختصاصي علم الأوبئة في كلية بلومبيرغ للصحة العامة التابعة لجامعة «جون هوبكنز»: «لقد لزمنا منازلنا لأكثر من سنة، وأراد الجميع أن يخرجوا. في وجه هذا النوع من التغيير القوي في السلوك، فإن تطعيم ثُلثي السكان البالغين تقريباً لم يكن كافياً».

رغم ذلك، لا تزال لقاحات فيروس «كورونا» فعالة للغاية لتقليص مستويات الاستشفاء والوفاة، لكن عشرات الملايين من الأميركيين المؤهلين لا يزالون غير ملقحين. ولا يتمتع ما يقرب من 40% من الأميركيين، من عُمر 12 عاماً وأكبر، بالحماية الكاملة.

وفي رابيد سيتي، بولاية ساوث داكوتا، سجل مسؤولو المدارس نحو 300 حالة بين الطلاب والموظفين منذ بدء الصفوف قبل أسبوعين. ومع ذلك، صوّت غالبية المسؤولين في مجلس إدارة المدرسة هذا الأسبوع ضد تفويض الكمامات المقترح لمدة 14 يوماً.

وقالت إيمي بوليكي، التي قدمت الاقتراح مع عضو آخر: «يريد الجميع أن يتمتع بالحرية الشخصية بعيداً عن الكمامات والمرض. ولكن يتعين علينا النظر إلى الحقائق: إننا نعاني من تفشي الوباء في المدرسة والمجتمع، فماذا يمكننا أن نفعل؟».

- تفاؤل حذر

ورغم ذلك، فإن الدكتور فيرموند، من جامعة «ييل»، يرى أسباباً تدعو إلى التفاؤل الحذر بشأن الأشهر القليلة المقبلة. ويبدو أن حالات الإصابة بالفيروس في معظم الولايات قد بدأت بالانخفاض، مما يمنح السلطات الصحية مزيداً من الوقت لتطعيم البالغين والمراهقين قبل حلول موسم الإنفلونزا.

وقال فيرموند: «إذا استطعنا إحراز التقدم من الآن وحتى عيد الشكر، ربما نتمكن من الحد من انتشار الفيروس بشكل كبير خلال موسم الإنفلونزا».

وفي حين أن الاقتصاد قد انتعش بقوة خلال الأشهر القليلة الماضية، تباطأ التوظيف بشكل حاد في أغسطس، في إشارة إلى أن هذا المتغير «دلتا» يثني الأميركيين عن السفر، أو التسوق، أو تناول الطعام في الخارج.

كانت باتون، طاهية نورث كارولاينا، تشعر بالارتياح مع اقتراب الصيف، بعدما تم تطعيم غالبية فريقها في شهر مايو (أيار)، وبدأت القيود الصحية في التراجع. ولكن سرعان ما غيّرت الأزمة من مسارها.

وتدعم باتون تفويض ارتداء الكمامات الذي أُعيد تنفيذه مؤخراً في مقاطعتها، ولكنها قالت إن موظفيها منهكون بسبب ضرورة فرضه. وبما أنها لا تملك مقاعد للمطعم في الهواء الطلق، كان بعض رواد المطعم أقل ارتياحاً عند تناول الطعام. وقالت: «من الصعب أن نتحرك خطوة إلى الأمام ثم نتراجع ثلاث خطوات إلى الوراء».