الانتخابات العراقية

خطأ الصدر يحيي آمال المالكي في العودة إلى حكم العراق

المالكي يطلق شعار "نعيدها دولة" على حملته الانتخابية القادمة

بغداد

 يجد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في قرار غريمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مقاطعةَ الانتخابات البرلمانية المبكّرة حافزا إضافيا يغذّي طموحه، الذي لم ينقطع إلى العودة لاحتلال أهم منصب تنفيذي في العراق بعد أن كان قد أزيح في سنة 2014 من رئاسة الوزراء بعد حصيلة كارثية لثماني سنوات في المنصب.

وقلّل المالكي الذي بدأ بالفعل حملة انتخابية تحت عنوان “نعيدها دولة” وكثّف بشكل لافت من ظهوره الإعلامي، من قرار زعيم التيار الصدري الذي يشكّل بما له من شعبية داخل الأوساط الشيعية العراقية منافسا شرسا لكبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق، معتبرا أن عدم مشاركته في انتخابات أكتوبر القادم لا ينتقص من شرعيتها ولا يمثّل مدعاة لتغيير موعدها.

كما قلّل زعيم حزب الدعوة الإسلامية الذي يقود تحالفا نيابيا يحمل اسم دولة القانون من إمكانية أن تؤدي عدم مشاركة الصدريين في الانتخابات إلى تفجير الاضطرابات مجدّدا في الشارع، الذي كان قد شهد سنة 2019 انتفاضة عارمة كانت وراء إسقاط حكومة عادل عبدالمهدي وإقرار إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها.

واعتبر المالكي أنّه لا مصلحة لأحد بأن يشتعل الشارع العراقي ولا بتأجيل أو إلغاء الانتخابات، مشيرا إلى أنه في حال أجلت أو ألغيت فلن تُجرى مرّة أخرى.

ونفى المالكي في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية وجود “ترابط والتزام” بين رغبة مقتدى الصدر بمقاطعة الانتخابات وبين الشارع العراقي. كما رفض اعتبار عدم مشاركة التيار الصدري بمثابة فشل للعملية السياسية، قائلا إنّ “المشاركة وعدم المشاركة حق مفروض للكتل وتبقى الانتخابات بمن يشارك فيها إذا تحقق النصاب المطلوب على نسب المشاركة وتعتبر قانونية وشرعية”.

كما حرص المالكي على التذكير بأن قرار مقاطعة الانتخابات لم يقتصر على الصدر وتياره ذاكرا من بين المقاطعين “إياد علاوي وصالح المطلك والحزب الشيوعي وقوى أخرى تشكلت حديثا”.

وتجعل طموحات رئيس الوزراء العراقي الأسبق للعودة إلى قيادة البلاد زعيمَ التيار الصدري في ورطة، نظرا للعداوة المستحكمة بينهما والتي وصلت خلال ولاية نوري المالكي الأولى بين سنتي 2006 و2010 حدّ المواجهة العسكرية عندما استخدم المالكي القوات النظامية العراقية في شنّ حملة عسكرية ضارية حملت اسم صولة الفرسان على الميليشيا التابعة لغريمه الصدر والمعروفة آنذاك بجيش المهدي وكان يستخدمها في ما يشبه التمرّد المسلّح على قرارات الحكومة.

وتتحدّث مصادر عراقية عن قيام التيار الصدري بدراسة خيارين لقطع الطريق على المالكي، يتمثّل الأول في إيجاد طريقة للعودة عن قرار مقاطعة الانتخابات رغم ما يحمله هذا الخيار من حرج لمقتدى الصدر المهتمّ كثيرا بالحفاظ على مصداقيته بين جمهوره وأتبعاه. ويتمثّل الخيار الثاني في الضغط باتجاه تأجيل الانتخابات، وهو الخيار الذي تعرض له المالكي بشكل صريح في تصريحاته كونه يهدّد فرصته التي قد تكون الأخيرة في العودة إلى منصب رئيس الوزراء بالضياع.

وكان الصدر قد شنّ قبل قراره بمقاطعة الانتخابات هجوما كاسحا على أبرز خصومه السياسيين ناعتا إياهم بالفشل والفساد. وورد في بيان نشره على تويتر صالح محمّد العراقي الذي يوصف بأنّه وزير الصدر أنّ “جميع الأحزاب السياسية أشهرت إفلاسها من خلال استهداف الناجي الوحيد”، في إشارة إلى التيار الصدري.

وشمل الصدر بهجومه أبرز خصمين له؛ نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق لدورتين متتاليتين والذي ورد ذكره في البيان تحت مسمّى “ذي الرئاستين” وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق المنشّق عن التيار نفسه، والذي أشير إليه في البيان كأحد أفراد “الثلّة الوقحة” حيث دأب الصدر على نعت العصائب وعدد من الفصائل الأخرى بالميليشيات الوقحة.

ويحاول الصدر بهجومه على المالكي والخزعلي مسايرة مزاج الشارع العراقي الذي ينظر إلى رئيس الوزراء الأسبق كأحد أكبر رموز الفساد في البلاد والمسؤول بشكل كبير على تراجع العراق في مختلف المجالات وتردي أوضاع سكّانه من خلال فترة حكمه الطويلة التي امتدّت من سنة 2006 إلى سنة 2014، واختُتمت بكارثة سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث الأراضي العراقية في ظل انهيار الجيش العراقي الذي نال منه الفساد والطائفية في عهد المالكي.

وعلى مستوى شخصي فإن لمقتدى الصدر “ثأرا” قديما من المالكي الذي يرى زعيم التيار الصدري أنّه ساهم بشكل كبير في حرمانه من احتلال موقع متقدّم في قيادة العراق، يعتبره حقا أصيلا له بالنظر إلى مكانة أسرته بين شيعة العراق.

وشكل تراجع مكانة المالكي السياسية بتراجع شعبيته الذي تجسد في انتخابات سنة 2018 والتي لم يحصل فيها الائتلاف التابع له والمعروف بدولة القانون سوى على 25 من المقاعد الـ329 للبرلمان بينما حصل تحالف سائرون المدعوم من الصدر على 54 مقعدا فرصة لزعيم التيار الصدري لتصفية الحسابات القديمة مع رئيس الوزراء الأسبق.

ومعروف عن الصدر خطابه الواثق الذي يحرص من خلاله على وضع نفسه في مرتبة صاحب السلطة المطلقة من خلال توجيه الأوامر والإنذارات ومنح المهل الزمنية المحدودة وهو ما يتناقض جذريا مع منطق الدولة الذي يتنباه عندما يدعو إلى ضبط فوضى السلاح.

ولزعيم التيار الصدري مشاركة في العملية السياسية القائمة منذ سنة 2003 لا يمكن مقارنتها بالأدوار القيادية في الدولة التي قام بها كبار خصومه ومنافسيه من داخل العائلة السياسية الشيعية.

لكنّ رجل الدين المنتمي إلى أسرة مرموقة في مجال التديّن الشيعي في العراق استثمر عدم تورّطه بشكل كبير في تجربة الحكم الفاشلة التي جرّت على الطبقة الحاكمة غضبا شعبيا عارما، ليصوّر نفسه مختلفا عن باقي قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية، وليقدّم نفسه كناطق باسم الشعب ومدافع عن قضاياه وكداعية إصلاح ومحارب للفساد.