روسيا تسعى لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف الفاعلة بالتنسيق مع الأردن

هل ينهي لقاء الملك عبدالله الثاني وبوتين أزمة درعا

تلقي التطورات الأمنية المتدهورة في درعا السورية بظلالها على لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تخشى عمّان موجة نزوح جديدة وتهديدات أمنية تؤثر على أمنها واستقرارها، في ظل تنامي التدخلات الإيرانية في الجنوب السوري.

أمن الأردن خط أحمر

عمان

يسيطر الملف الأمني والتطورات الأخيرة في درعا السورية على مباحثات تنطلق اليوم الاثنين، بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى بحث ملفات تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات الإقليمية والدولية.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى موسكو تهدف بالأساس إلى بحث التطورات المتفاعلة في الجانب السوري، ومنع وصول تداعيات ذلك إلى الداخل الأردني، الذي لا يحتمل موجة نزوح جديدة من سوريا، إضافة إلى أي تهديدات تعكر أمنه الداخلي.

ودفعت التطورات الأمنية المتدهورة في الجارة الشمالية للأردن إلى إغلاق كامل حدوه مع سوريا في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي. وفرض النظام السوري حصارا على “درعا البلد” بعد رفض المعارضة تسليم السلاح الخفيف باعتباره مخالفا لاتفاق تم التوصل إليه بوساطة روسية عام 2018 ونص فقط على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط.

وتدرك روسيا، الحاضرة بقوة وتدعم النظام السوري منذ بداية الأزمة عام 2011، أهمية الدور الأردني في حسم الملف، خاصة في القطاع الجنوبي، حيث لم تنقطع اتصالات القادة والمسؤولين من البلدين طيلة السنوات الماضية.

وفي الأعوام الماضية اجتمع بوتين مع العاهل الأردني وبحث معه معظم الملفات في المنطقة، وكان آخرها على هامش مشاركة الملك عبدالله الثاني في أعمال منتدى “فالداي” للحوار في سوتشي الروسية عام 2019.

وتسعى روسيا لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف الفاعلة في درعا بالتنسيق مع الأردن الذي يرتبط بحدود طويلة مع سوريا.

ويقول عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني محمد المومني إن “اللقاء بين الملك عبدالله الثاني وبوتين سيحسم الكثير من الأمور، خاصة على صعيد الأزمة السورية”. ويضيف المومني، الذي شغل سابقا منصب وزير الإعلام والاتصال في الحكومة، أن “التطورات في درعا السورية تتطلب من موسكو وضع حد لما يجري فيها، كما أن الأردن حريص على الوصول إلى حل سلمي ينهي ما يجري هناك”.

وأعرب عن اعتقاده بأن ملف درعا “سيكون حاضرا بقوة على طاولة الملك وبوتين، باعتبار أن روسيا ترتبط ارتباطا وثيقا بالنظام السوري، وبإمكانها أن تلعب دورا بارزا في هذا الملف”.

ولم يستبعد المومني أن تكون هناك ملفات أخرى، بما فيها إيران وأفغانستان، لكنه رجح أن ينهي اللقاء تطورات درعا السورية، ويتم التوصل إلى تفاهمات مع موسكو تضمن عدم التأثير على استقرار المملكة.

وتثير التطورات القلق في الأردن المحاذي لجزء كبير من محافظة درعا. ويرى متابعون للشأن السوري أن القلق الأردني مرده وجود ميليشيات إيرانية تعمل على الجانب القريب من حدوده.

وأفادت تقارير بأن الدبابات التابعة للنظام السوري واصلت قصف منطقة “درعا البلد” في المحافظة، على الرغم من التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بين روسيا والنظام واللجان المركزية الشعبية.

ويرى خبراء أردنيون أن اتفاق التسوية في درعا عام 2018 كان يهدف إلى تفادي تهديد الوجود الإيراني على الأمن القومي الأردني، وأن تلك التطورات الأخيرة في المحافظة السورية تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل التسوية، خاصة مع تدهور الأوضاع الأمنية وتفاقمها.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية – الأردنية (حكومية) بدر الماضي إن “روسيا بالنسبة إلى الأردن هي مفتاح الحل والحليف الموثوق لتأطير السلوك الإيراني في المنطقة، وبالتالي استقرارا للأوضاع الأمنية وانعكاسه إيجابيا على مصالح الدول بما في ذلك الأردن”.

وشدد الماضي على أن لقاء الملك عبدالله وبوتين “سيؤدي إلى الضغط على النظام السوري عبر علاقاته مع موسكو للحد من وصول الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران إلى حدود المملكة”.

واعتبر الأكاديمي الأردني أن العلاقات الأردنية – الروسية تتسم بالتوازن والمرونة، مما يتيح لعمان التنويع في خياراتها الاستراتيجية، ومناقشة ملفات أخرى لا تقل أهمية عن الأزمة السورية مثل التطورات على الساحة الأفغانية.

ورأى أن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى موسكو “تأتي في إطار الاشتباك السياسي الذي استطاع الأردن أن يخوضه في الفترات الماضية، حيث أن الملك عاد من زيارة ناجحة للولايات المتحدة”.

وقال إن عمّان شهدت خلال الأسابيع الأخيرة حراكا دبلوماسيا كبيرا ومهما. وأعرب عن اعتقاده بأن “الملك سيحمل خارطة طريق تتعدى موضوع درعا إلى الأزمة السورية بشكل عام”.

والأردن دعا مرارا وتكرارا إلى الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وهو ما عبر عنه مسؤولوه وساسته في الكثير من المناسبات، لكنه في الوقت ذاته يسعى جاهدا لتجنب أي تداعيات أخرى قد تطوله، نتيجة التطورات الأخيرة في درعا.

ويؤكد المحلل السياسي عامر السبايلة أنه “لا يمكن فصل سياق الزيارة عن التطورات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة، خصوصا بعد زيارة الملك إلى واشنطن، والحديث عن رغبة أردنية في الدخول إلى الملف السوري، والإيحاء بالحصول على المساحة الواسعة للمناورة في عدد من الملفات”.

واعتبر السبايلة أن “عند الحديث مع روسيا اليوم، فلا شك بأن الملف الأساسي هو درعا والجنوب السوري في المقام الأول”.

وأردف أن “اللقاء قد يتناول أيضا الفكرة الطموحة بتوفير واستجرار الطاقة من الأردن لدعم لبنان، وهو أمر لا يمكن السير به عمليا دون الحديث مع روسيا، فموسكو هي العامل الفعلي على الأرض السورية، وفي حال نفذ مشروع جر الطاقة للبنان سيكون عبر الأراضي السورية”.

واتفق السبايلة مع سابقيه حول احتمالية التطرق إلى ملفات أخرى، بما فيها أفغانستان والعراق، وغيرهما من القضايا، لكنه شدد على أن ملف سوريا ومحاولة تسويق فكرة ربط لبنان بكهرباء الأردن سيكون هو الأبرز.

والأردن من بين أكثر دول العالم تأثرا بما تشهده جارته الشمالية، فبعد أن كان على أهبة الاستعداد لإعادة تشغيل كلي لمعبره الحدودي جابر – نصيب الرابط مع سوريا على أمل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية، قرر في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي إغلاقه بالكامل، مرجعا ذلك إلى “تطورات الأوضاع الأمنية في الجانب السوري”.

ومعبر جابر – نصيب هو المعبر الرئيسي بين الأردن وسوريا، وشكل إغلاقه في أبريل 2015 بسبب النزاع في سوريا، ضربة موجعة لاقتصاد المملكة التي سجل التبادل التجاري بينها وبين جارتها الشمالية عام 2010 نحو 615 مليون دولار، قبل أن يتراجع تدريجيا بسبب الحرب.

وأعيد فتح المعبر خريف عام 2018، حيث بلغ التبادل التجاري عام 2020 بين الأردن وسوريا 108.7 مليون دولار، وفقا لأرقام رسمية أردنية. والحدود مع سوريا شريان مهم لاقتصاد الأردن، إذ تصدر عبرها بضائع أردنية إلى تركيا ولبنان وأوروبا وتستورد عبرها بضائع سورية ومن تلك الدول.