تقرير..

كيوبوست: لماذا تثير زيارة المبعوث الخاص لليمن إلى طهران القلق؟

المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن مارتن غريفيث- وكالات

الرياض

جاءت لقاءات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن؛ مارتن غريفيث، مع المسؤولين الإيرانيين، يومَي الأحد والاثنين الماضيين، في وقتٍ تشهد فيه الحرب في اليمن حراكاً دبلوماسياً ملحوظاً؛ إذ جاءت بُعيد عدة إجراءات اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة، تهدف إلى المضي قدماً بشأن إنهاء الحرب في البلاد. كما تزامنت تحركات غريفيث مع زيارة لبعثة الاتحاد الأوروبي إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، برئاسة سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن.

لكن خطوة المبعوث الأممي اعتبرت من قِبل الكثير من السياسيين اليمنيين والمراقبين بأنها زيارة مفاجئة وخطيرة. ووصف الناطق الرسمي باسم الحكومة اليمنية الشرعية، راجح بادي، نتائج الزيارة بأنها “لا تدعو إلى التفاؤل”. وقد ترافقت الخطوة الدبلوماسية الإيرانية مع تصعيدٍ للمتمردين الحوثيين، والذين نفذوا هجمات عسكرية وصاروخية في محافظة مأرب، في ما يبدو أنه تحرك يرمي إلى زيادة مكاسب الحوثيين على الأرض قبل أي مفاوضات مُرتقبة.

أدانت الولايات المتحدة وبريطانيا هجوم الحوثيين على مأرب، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها “منزعجة بشدة” من العنف، كما قال السفير البريطاني في اليمن، مايكل آرون، إن “على الحوثيين إثبات جدية رغبتهم في السلام، من خلال دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة”.

نيَّات طهران

وإلى جانب ما يثيره تصعيد الحوثيين لمستوى العنف في البلاد، تعطي تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول زيارة المبعوث الأممي والإجراءات الأمريكية الأخيرة، المزيد من الانطباعات القاتمة حول نيَّات طهران؛ ففي تعليقه على قرارات الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن اليمن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة: “مثل هذه الخطوة وحدها لن تحل قضية اليمن، ويجب أن يتبعها رفع الحصار الجوي والبحري والبري”.

تثير تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ونبرتهم العدائية في الخطاب، قلقاً متزايداً من خطورة نيَّات طهران تجاه اليمن والمنطقة عموماً؛ خصوصاً أنها تتوافق مع تحركات الحوثيين على الأرض، ورؤيتهم الخاصة لإنهاء الحرب. سبق أن قدم الحوثيون، في العام الماضي، قائمة من المطالب قبل ساعات قليلة من إعلان السعودية نيّتها وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين؛ ومن بين ما شملته تلك المطالب كان إنهاء الحرب، وتنفيذ ومراقبة وقف إطلاق النار، وفتح جميع المطارات في اليمن، وإعادة فتح المنافذ البرية، ورفع القيود على جميع الموانئ البحرية، وإنهاء ما وصفه الحوثيون بـ”الوجود الأجنبي في جميع أراضي الجمهورية اليمنية”.

ويعتبر تاريخ العلاقة التخريبية بين إيران والحوثيين هو المصدر الأساسي للمخاوف؛ حيث تؤكد عدة تقارير قيام طهران بتهريب الأسلحة للحوثيين، بما في ذلك الطائرات المسيرة، ومدهم بالمال والوقود، وتقديم الاستشارات العسكرية والتدريب.. وغيرها من وسائل الدعم والموارد التي يستغلها الحوثيون لتعزيز سيطرتهم وتمددهم، وكذلك استهداف المملكة العربية السعودية، وحركة الملاحة البحرية.

خشية وحذر

إن مساعي إيران لدعم الحوثيين من أجل تحقيق أهداف سياسات طهران الخارجية وطموحاتها في المنطقة ليست خافية أو سرية على الدوام؛ فمن بين أحدث تحركاتهم، قدم مسؤولون إيرانيون مشروع قانون برلماني جديد، في ديسمبر 2020، ينص على إقامة اتحاد نقدي بين الدول التي تسميها إيران “محور المقاومة”؛ والتي من بينها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن. كما تقتضي إحدى مواد مشروع القانون المقترح إرسال “السلع الأساسية والأدوية والوقود” بصورة مباشرة إلى الحوثيين، ويعتبر مشروع القانون الجديد منع وصول هذه الشحنات إلى هدفها “عملاً حربياً ضد الجمهورية الإسلامية”.


يُخشى أن تؤدي الاستجابة لمطالب إيران والحوثيين إلى حصولهم على المزيد من الأسلحة والإمكانات؛ لتوسيع مناطق سيطرتهم في اليمن، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من سفك الدماء والدمار. كما يُخشى أن يؤدي ذلك إلى إساءة استخدام الحوثيين للقوة؛ بما يشكل تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها، ومساعدة طهران على تحقيق مبادئ سياستها الخارجية الأساسية، والتي تهدف إلى الهيمنة الإقليمية، واحتواء إسرائيل، وقيادة معارضة عالمية ضد الغرب.

تؤكد زيارة مارتن غريفيث إلى طهران، الدور الإيراني المهم للتأثير على الحوثيين؛ وهو دور كان محل شك وتقليل من قِبل الكثير من المراقبين الغربيين، لكنه لم يكن كذلك على الإطلاق لدى اليمنيين الذين يعاينون مستوى عالياً من العلاقة والدعم بين البلدَين كل يوم، ومع ذلك، على الرغم من الخوف من هذه العلاقة؛ فإنه من الناحية الدبلوماسية يمكن أن يكون للحوار مع إيران أثر إيجابي، بصفتها أحد الداعمين الخارجيين الأساسيين للحوثيين.

من الناحية المثالية، قد تفضي الدبلوماسية مع إيران بالسماح لها بالاحتفاظ بعلاقة صحية وآمنة بالجانب اليمني، سيتطلب تحقيق هدف مماثل الكثير من التنازلات والتأثير والجهود المتضافرة والضمانات؛ وهو جوهر الدبلوماسية التي يعرِّفها الرئيس الأمريكي السابق هنري كسنجر، بأنها فن تقييد القوة.