قالیباف يَعد المعلمين بالإصلاح… وميزانية النظام تفضح الخداع
قالیباف يَعد المعلمين بالإصلاح… وميزانية النظام تفضح الخداع

في «يوم المعلم» بإيران، قائد في حرس النظام يُلقي دروساً في التربية، فيما المعلمون يرزحون تحت الفقر والحرمان

قالیباف يَعد المعلمين بالإصلاح… وميزانية النظام تفضح الخداع
في «يوم المعلم» بإيران، قائد في حرس النظام يُلقي دروساً في التربية، فيما المعلمون يرزحون تحت الفقر والحرمان
لم يكن الثامن من مايو 2025 يوماً عادياً في التقویم الإيرانية. ففي حين كان يُفترض أن يكون مناسبة وطنية لتكريم المعلم، ظهر رئيس برلمان النظام محمد باقر قالیباف، القائد السابق في حرس النظام الإيراني، ليدلي بجملة «رهنات تربوية» أمام مجموعة من المعلّمين والأساتذة الجامعيين، في مشهد يعكس المفارقة المؤلمة التي تعيشها إيران: حاكم عسكري سابق يمنح النصائح لمن يُفترض أنهم بناة العقول.
قالیباف الذي لم يخفِ سابقاً مشاركته في قمع المظاهرات السياسية في بدايات الثورة، وصف بنفسه كيف كان يهاجم «تجمعات الأحزاب» على دراجته النارية بعصا في يده خلال عامي 1979 و1980. فكيف لمثل هذا الرجل أن يُمنح منبراً في يوم المعلم، ليتحدث عن تطوير التعليم وتحسين حياة المدرسين؟ إنها مفارقة لا تخفى على الإيرانيين.
وفي تصريحاته خلال المناسبة، اعترف قالیباف ضمناً بأن النظام يواجه أزمة مزمنة في قطاع التعليم، قائلاً إن «إدارة التعليم من أبرز معاناة النظام». لكن جوهر الحقيقة، كما ترى المقاومة، هو الصراع البنيوي بين الاستبداد والتقدم، بين مؤسسة قائمة على «ولاية الفقيه» وبين جيل شاب يتوق إلى الحرية والحداثة.
ولهذا، لم يكن مفاجئاً أن يُعيّن النظام مؤخراً قوة الشرطة مشرفاً فعلياً على وزارة التعليم، في خطوة تشير إلى مدى عمق الفجوة بين النظام التسلطي والشباب المتعلّم.
وفي استعراضه لحال التعليم، قال قالیباف: «لا أعلم كيف أصف وضع المعدلات في التعليم وأين هي العدالة والجودة؟»
وسائل الإعلام الرسمية نفسها، وعلى رأسها صحيفة خراسان، كانت قد نشرت إحصائيات صادمة قبل أسبوعين فقط، بيّنت أن المعدلات الدراسية المتوسطة لعام 2024 كانت:
11.23 لطلاب الفرع العلمي
11.82 لطلاب الرياضيات
9.13 لطلاب الفرع الأدبي
أرقام تعكس بوضوح أزمة المنظومة التعليمية في ظل نظام يدّعي «المقدّس»، فيما يرسّخ الجهل ويحارب التنوير.
وفي ختام كلمته، أطلق قالیباف سيلاً من التصريحات الترويجية التي باتت مألوفة في خطاب مسؤولي النظام، مثل الدعوة إلى الاهتمام بـ«مكانة المعلم»، و«تحسين الإسكان والصحة للمعلمين والعمال»، و«تثبيت نظام للضمان الاجتماعي»، دون أيّ إشارة إلى آلية تنفيذ أو تمويل واقعي.
ولكن هذا الخطاب التزييني يتهاوى أمام الحقيقة الصادمة التي يعرفها كل معلم إيراني: الاضطرار للعمل في وظيفتين أو أكثر، فقط لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، في حين تُصرف المليارات على أجهزة القمع والدعاية.
الهوة بين الشعارات المرفوعة من قِبل مسؤولي النظام والواقع تظهر بجلاء في مشروع ميزانية عام 2025. فبحسب موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 19 مارس 2025، تم تخصيص:
- 352.897 مليار تومان لوزارة التربية والتعليم
- 196 تريليون تومان لـ حرس النظام الإيراني
بمعنى آخر، تم تخصيص ميزانية لحرس النظام تزيد بأكثر من 550 ضعفاً على الأقل من بعض البنود الحيوية الأخرى، وتُظهر بشكل لا لبس فيه أن أولويات النظام ليست التعليم، بل هي القمع، وتحصين أجهزة السيطرة والسيادة الدينية.
ولم تشمل هذه المقارنة بعد الميزانيات المليارية الأخرى التي تُنفق على المؤسسات الدينية الموالية لخامنئي أو على هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية التي تكرّس خطاب الكراهية وتروّج لأجندة النظام.
في ظل هذا الواقع، لا يبدو أن حديث قالیباف عن «العدالة التعليمية» و«مكانة المعلم» يثير سوى السخرية، أو ربما الحزن. فمنظومة تولي الأولوية للدبابة على الكتاب، وتمنح الجنرال حق التوجيه التربوي، لا يمكن أن تنتج سوى جيلاً من الأميين المحبطين، أو اللاجئين إلى الخارج… أو الثائرين.