أسواق مغلقة..

لبنان... الليرة تنزف والطبقة الوسطى جاعت والسياسيون يناورون

اشتدت أزمة لبنان الاقتصادية، حتى أنه لم يعد بمقدور التجار ضبط سعر السلع في السوق، بعد أن تسبب تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي في اشتعال الغلاء وأصبح ينذر بإفلاس اللبنانيين الذين باتوا على شفير أزمة جوع.

وكالات

اشتدت أزمة لبنان الاقتصادية، حتى أنه لم يعد بمقدور التجار ضبط سعر السلع في السوق، بعد أن تسبب تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي في اشتعال الغلاء وأصبح ينذر بإفلاس اللبنانيين الذين باتوا على شفير أزمة جوع.
يساور القلق كل اللبنانيين دون استثناء بما فيهم كبار التجار الذين أصبحوا يلمسون أثر الأزمة بشكل يومي، أما اللبناني العادي فلم يعد قادراً على توفير احتياجاته الغذائية الأساسية، وتؤكد التقارير أن سعر صرف الليرة أمام الدولار بلغ اليوم الجمعة حسب مصرف لبنان المركزي 3850 حداً أدنى، وأن السعر الأقصى للبيع هو 3900، في حين بلغ سعر الصرف في السوق السوداء 7 آلاف ليرة أمس الخميس.
أسواق مغلقة
وتؤكد التقارير، أن مع "التقلب المستمر في سعر صرف الدولار، يعمد بعض التجار اللبنانيين إلى إعداد جدول يومي بالأسعار والبعض الآخر إلى جدول أسبوعي، فالتسعيرة التي كانت معتمدة بالأمس لا تطبق اليوم، هذا لسان حال التجار الذين يحتارون كيف يحتسبون سعر البضائع، فاختار بعضهم الإقفال، والبعض الآخر البيع بهامش ربح قليل والبعض الآخر يدرج لائحة يومية بالتسعير متماشية مع تسعيرة السوق السوداء"، وفق ما أكدته صحيفة "الجمهورية" اليوم الجمعة.
وتسببت الأزمة التي تزامنت مع أزمة كورونا في مضاعفة ألم لبنان الاقتصادي، فباتت نسبة كبيرة من اللبنانيين تعمل بنصف راتب، إضافة إلى ارتفاع البطالة، وأصبح عدد كبير منهم عاطلاً عن العمل، وأدى تضافره هذه العوامل إلى تراجع القدرة الشرائية في لبنان إلى أدنى مستوى.
وتؤكد المصادر، أن الفوضى والانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان تسببا في ضربة كبيرة للقطاع التجاري، ما أدى لإقفال أسواق تجارية بشكل كامل بعد عجز التجار عن مجاراة وتيرة تغير أسعار الصرف.

ويصف رئيس تجار الأشرفية، انطوان عيد، الحركة التجارية بالكارثية "لأن الإقبال على التسوق ضعيف، أما التسعير فهو يختلف بين تاجر وآخر، وهو يحاول مجاراة سعر الدولار في السوق، خاصةً أن التعاميم التي تصدر تحاول أن تقتل القطاع ولا تصب لصالح التجار".
ويضيف عيد قائلاً، بما أن "التجار غير قادرين على الحصول على الدولارات للاستيراد فإنهم حكماً سيتجهون نحو السوق السوداء لشراء الدولار الذي بيع بالأمس بـ 7 آلاف ليرة".
كارثة
من جهة أخرى، يقول رئيس جمعية تجار جونيه، روجيه كيروز، إن ما نشهده ينذر بكارثة كبرى.
وأضاف أن "أسواقاً كبيرة أصبحت مهجورة بسبب شح المال في أيدي الناس، والتجار غير قادرين على الاستمرار تماشياً مع الأسعار الحالية المتقلبة للدولار"، لافتاً إلى أن ارتفاع الدولار إلى 3 آلاف ليرة كان أقصى ما يمكن للتجار تحمله، وبوصوله إلى 7 آلاف ليرة، سيصعب على التجار تحمله، وتحميله للمواطنين.
ارتفاع الأسعار
وتسبب استمرار تقلب سعر صرف الليرة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 72%، في ارتفاع معدل التضخم في بلد يعتمد على الاستيراد إلى حد كبير، وجعلت الأزمة قرابة نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، في حين يتوقع خبراء اقتصاديين اضمحلال الطبقة الوسطى في بلد كان حتى الأمس القريب يُعرف بـ "سويسرا الشرق" ويشتهر بمرافقه وخدماته ومبادرات شعبه الخلاقة، وفق ما ذكر تقرير لموقع "يورو نيوز" أمس الخميس.
في قبضة الجوع
وحسب عاملين في منظمات إغاثية ومتطوعين، فإن عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي، باتت اليوم عاجزة عن تأمين أبسط المتطلبات من خبز، وطعام، ودواء، بعد خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية.

وفي الأيام الماضية، التقط مصورو وكالة فرانس برس صوراً صادمة لثلاجات شبه فارغة في منازل بمدن رئيسية مثل بيروت، وجونية، وجبيل، وطرابلس شمالاً، وصيدا جنوباً، تأثر أصحابها بأزمة وبتدهور الليرة. فالذي كان راتبه يعادل 700 دولاراً في الصيف الماضي على سبيل المثال، بات اليوم بالكاد يكسب مئتي دولار.
أمام ثلاجتها المفتوحة والخاوية إلا من عبوة مياه وحبتي خيار فقط، تروي فدوى المرعبي، 60 عاماً، المقيمة في منزل متواضع في مدينة طرابلس شمالاً، أنها باعت ثلاجتها الكبيرة في العام الماضي لأنها لم تكن قادرة على تخزين الكثير فيها، واشترت أخرى أصغر حجماً.
وتقول: "اليوم، حتى هذا البراد الصغير لست قادرة على ملئه. ولو وجدت أصغر منه في السوق لبعته". وتضيف "على الأقل أستطيع شراء الطعام من ثمنه".

مناورات بعبدا
رغم كل ما يمر به لبنان، إلا أن الطبقة السياسية تواصل مناوراتها بعيداً عن أي حلول، أو إجراءات قادرة على انتشال البلاد من محنتها، وعكس اجتماع قصر بعبدا الرئاسي، أمس بين القوى الوطنية، مثلاً الخلافات المستفحلة، مكتفياً بتوزيع الاتهامات بالعبث باستقرار لبنان والتسبب في تدهور اقتصاده، رافضاً تحمل الطبقة السياسية بأسرها المسؤولية عن مأساة لبنان.
وقال رئيس الحكومة حسان دياب: "لبنان يمر بمرحلة مصيرية"، مضيفاً "لا يهتم اللبنانيون اليوم سوى بأمر واحد: كم بلغ سعر الدولار؟...لم يعد يهمهم ما نقول. يهمهم فقط ماذا سنفعل".
أما رئيس الجمهورية ميشال عون فوجه تحذيراً شديد اللهجة لمن يريد "العبث بالأمن والشارع" مشدداً على أن السلم الأهلي في البلاد "خط أحمرعلى كافة الأطراف السياسية التكاتف من أجل الحفاظ عليه".
أما الحلول الاقتصادية والاجتماعية فمؤجلة ولا مكان لها الآن على أجندة السياسيين اللبنانيين