العقوبات والتبعات الحتمية..

العقوبات والتبعات الحتمية.. الكشف التاريخي للمقاومة والمأزق النهائي للنظام

الخليج بوست

 

مساء يوم السبت ال27 من أيلول (سبتمبر) 2025، لم يمر کأي مساء آخر على نظام الملالي، بل کان مساءا ثقيلا حمل معه أسوأ کابوس للنظام وذلك بدخول العقوبات الدولية حيز التنفيذ وبذلك فقد وجد نظام الملالي الذي يعاني أساسا من تلة من المشاکل والازمات، نفسه أمام مشکلة کبيرة لا يمکن لأي جانب من جوانب الاوضاع في إيران، أن يأمن من آثارها وتداعياتها.

عودة العقوبات الدولية في وقت تتضاعف الاوضاع الاقتصادية سوءا ويشتد الخناق على النظام من مختلف الجوانب، يزيد من مستوى التشاٶم والکآبة في إيران أکثر من أي وقت مضى ويلقي بظلاله على الشعب الإيراني بصورة غير مسبوقة في وقت أصبح فيه الشعب في وضع بالغ السوء بحيث يعجز الکلام عن وصفه، والمشکلة إن التصريحات المتشددة التي أطلقها قادة النظام ضد إعادة العقوبات الدولية لا تعني في الواقع شئ إلا مجرد هرطقة کلام مع ملاحظة إنها تثير سخرية وغضب الشارع الإيراني وتٶلبه أکثر ضد النظام.

دخول العقوبات الدولية حيز التنفيذ، يعني إن البرنامج النووي للنظام قد عاد الى المربع الاول، ولاسيما وإن سقف المطالب الدولية قد تم رفعها بصورة غير مسبوقة، وحتى إن إعتراف بزشکيان بأن الامريکيين قد عرضوا وقف إستئناف العقوبات مقابل تسليم جميع اليورانيوم المخصب الذي بحوزة النظام، يدل على إن الغرب يتلزم موقفا حازما وصارما في تعامله مع النظام الإيراني الذي صار واضحا لهم وللعالم من إنه نظام مخادع ولا يلتزم بتعهداته.

الاوضاع المعيشية السيئة التي يعلم النظام جيدا مسٶوليته الکاملة عنها وعن ما يعانيه الشعب من جرائه، فإن الولي الفقيه خامنئي الذي طلب من بزشکيان قبل فترة وجيزة العمل على تحسين الاوضاع المعيشية، فإن بزشکيان الذي کان لم يتمکن أساسا بعد عودة العقوبات من تحسين الاوضاع المعيشية فکيف مع عودة العقوبات وتردي الاوضاع الاقتصادية الى أبعد حد؟

الاجواء تزداد إسودادا والضغط الاقتصادي والسياسي يزداد قوة على النظام الذي يعيش في حالة إرباك وتخبط ولاسيما وهو يواجه تحديات وتهديدات جدية وبالاخص وهو يعلم بأن ما يحدث الان من شأنه أن يمهد لإحتجاجات شعبية قد تشعل النار في هشيم الغضب الشعبي وهو تطور لن يمر بسلام على النظام کما إنه سيکون بمثابة إختبار مهم وحاسم للمجتمع الدولي، ذلك إن هذا النظام الذي کان ولايزال مشکلة معقدة للعالم، فإن الشعب لوحده من يتمکن من حسم الاوضاع وإسقاط هذا النظام ولاسيما وإن هناك مقاومة منظمة إعترف بها النظام على الدوام ويتخوف منها أکثر من أي شئ، وإن دعم وتإييد ليس هکذا إحتجاجات لو إندلعت بل وحتى الحراك الشعبي ضد النظام، أمر ومهمة مطلوبة من المجتمع الدولي من أجل أن يتم التعجيل بعملية التغيير الجذري في إيران.

 

الدور التاريخي للمقاومة الإيرانية في الكشف عن البرنامج النووي

يمتلئ تاريخ البرنامج النووي للنظام الإيراني بالتستر وخرق الالتزامات الدولية. فمنذ ثمانينات القرن الماضي، عندما بدأت عملية تخصيب اليورانيوم، سعى نظام الملالي بشكل ممنهج للحصول على قدرات نووية تسليحية.

صرح خامنئي، زعيم النظام، في خطابه بتاريخ 23 سبتمبر، أن التخصيب قد وصل إلى مستوى 60% وأن هذا المستوى ضروري للاحتياجات الداخلية، متجاهلاً بذلك الضغوط الدولية. تتلاشى هذه الادعاءات في ضوء الكشوفات الواسعة للمقاومة الإيرانية التي شملت 133 حالة كشف على مدى 34 عاماً ولا سيما الكشف عن المنشأتين النوويتين السريتين في نطنز وأراك في أغسطس 2002، والذي لعب دوراً حيوياً في منع النظام من الحصول على القنبلة الذرية.

لولا هذه الكشوفات، لكانت الديكتاتورية الدينية مسلحة اليوم على الأرجح بالسلاح النووي ووضعت العالم أمام الأمر الواقع. وتؤكد هذه الحقيقة على أهمية يقظة المجتمع الدولي، وتُظهر أن سياسة المماطلة والمساومة لم تكن مثمرة فحسب، بل أدت إلى تصعيد التهديدات.

 

سياسة المساومة: شراء الفرصة والوقت للبرنامج النووي

بالنظر إلى الماضي، يتضح جلياً أن سياسة المساومة لم تكن سوى شراء للوقت والفرصة لبرنامج النظام النووي. ونُذكّر بأن مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية لفترة انتقال السلطة إلى الشعب، حذّرت في 14 يوليو 2015 من أنه لو أبدت دول (5+1) حزماً، لما كان أمام النظام خيار سوى التراجع الكامل عن التخصيب وإغلاق مشاريع صنع القنبلة. ومع ذلك، استغل النظام امتيازات اتفاقية برجام، وأنفق عائدات النفط، بدلاً من تحسين الوضع الاقتصادي للشعب، على إشعال الحروب والقمع الداخلي وتصدير الإرهاب ودفع برنامجه الصاروخي والنووي.

ووفقاً للإحصاءات والأرقام الدولية، زادت صادرات النظام الإيراني النفطية بمقدار ستة أضعاف تقريباً من يناير 2021 إلى يناير 2025، لكن في الوقت نفسه، تفاقم وضع الشعب سوءاً من حيث التضخم والبطالة والفقر وتقلبات أسعار العملات.

هذا التناقض دليل على الطبيعة المعادية للشعب في النظام الإيراني، الذي يفضّل طموحاته العدوانية والمحرّضة للحرب على الاحتياجات الأساسية للمجتمع. وفي هذا السياق، يصبح التنفيذ الحازم لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضرورياً لقطع طرق الالتفاف على العقوبات. ويُعد إعادة تطبيق قرارات مجلس الأمن خطوة حيوية لمنع الديكتاتورية الدينية من الوصول إلى القنبلة الذرية، خاصة وأن التنفيذ الحازم للقرارات يمكن أن يوفر المناخ اللازم لاندلاع الانتفاضة الشعبية داخل البلاد.

 

الحل النهائي: ضرورة الاعتراف بحق المقاومة

تجدر الإشارة إلى أن تنفيذ القرارات هو مجرد حل مؤقت. إن جذر الأزمة يكمن في بنية الفاشية الدينية الحاكمة، التي بدأت حربها الرئيسية ليس مع القوى الخارجية، بل مع الشعب الإيراني، وخاصة النساء. لولا المساومة، لما كانت هناك حاجة لصراع عسكري، إذ كان يمكن للضغوط الدولية أن تجبر النظام على التراجع. ولكن الآن، حان الوقت لكي يفكر المجتمع الدولي فيما هو أبعد من العقوبات.

بمعنى أن على المجتمع الدولي أن يرى الحل النهائي في تغيير النظام على يد الشعب الإيراني، وأن يعترف بحق المقاومة لهذا الشعب. هذا النهج لا يضمن الأمن العالمي فحسب، بل يحترم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن إيران حرة، ديمقراطية، وغير نووية هي أفضل ضمان للسلام والأمن العالميين.

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

مقالات الكاتب